20-أغسطس-2015

لا بد عن تشكيل لوبي عربي قوي في واشنطن (Getty)

تغيب قضايا الأمريكيين من أصول عربية عن البرامج والحملات الانتخابية للمرشحين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض. وكأن الطبقة السياسية الأمريكية على اختلافها لا تنظر إلى الأمريكيين العرب على أنهم أقلية من الأقليات التي نص الدستور الأمريكي على حماية حقوقها المدنية. ذلك لأن حضور الجاليات العربية وقدرتها على التأثير في دوائر صنع القرار في الولايات الأمريكية الخمسين شبه معدومة.

فالأمريكيون من أصول عربية، وحتى إسلامية، لم ينجحوا حتى الآن في تشكيل هيئات ومؤسسات قادرة على تنظيم قوة أكثر من خمسة ملايين مواطن أمريكي من أصول عربية واستثمار اقتراعهم في العملية الانتخابية الأمريكية بدايةً، من أجل حماية الحقوق المدنية والدستورية لهؤلاء المواطنين الأمريكيين، ولاحقًا من أجل تشكيل لوبي عربي فاعل في واشنطن قد يتمكن في المستقبل من التأثير على السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية بما يخدم مصالح العرب وقضاياهم.

لم يصوّت العرب كثيرًا رغم الجهود الكثيفة لحثهم على ذلك باستثناء تصويتهم لأوباما

أبرز تجليات هذا الغياب العربي عن يوميات السياسة الأمريكية يتمثل بتضاءل عدد المقترعين من الأمريكيين ذوي الأصول العربية في انتخابات الكونغرس والرئاسة، رغم الجهود التي تبذلها منذ سنوات الهيئات والجمعيات العربية الأمريكية لحث أبناء الجالية على ممارسة حقهم الانتخابي. وظهرت تلك المحاولات بوضوح في انتخابات الرئاسة في عامي 2008 و2012 حيث أثمرت جهود ناشطي الحزب الديمقراطي، وخصوصًا الحملة الانتخابية للرئيس باراك حسين أوباما، في إقناع أعداد إضافية من الناخبين من أصول عربية على التصويت لصالح أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية ومن أب مسلم. وقد انعكس ذلك بمزيد من التقارب بين الأمريكيين الأفارقة وذوي الأصول العربية والإسلامية.

رجل الاعمال الأمريكي من أصل مغربي محمد الهجام الذي يقيم في مدينة الكسندريا في ولاية فرجينيا، حيث يتركز حضور الجالية المغربية، يرى أن صوت الجالية العربية ما زال غير مؤثر فعلًا. ويعزو ضعف حماسة الأمريكيين ذوي الأصول العربية للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وقلة اهتمامهم بالشأن السياسي الأمريكي الداخلي، إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وخصوصًا الصعوبات التي واجهت الموجات الأخيرة من المهاجرين العرب، التي تدفقت ابتداءً من سبعينيات القرن الماضي من شمال أفريقيا وبلاد الشام واليمن، بحثًا عن لقمة الخبز والأمان والحرية في أمريكا، وهربًا من سجون الأنظمة والحروب المتلاحقة التي شهدتها بلاد العرب.

هذه الموجة من المهاجرين لم يندمج غالبية أفرادها بالكامل بالدورة الاقتصادية والاجتماعية الأمريكية لاعتبارات لغوية ودينية وثقافية وأحيانًا عنصرية. أضف إلى ذلك أن ظاهرة الإسلاموفوبيا التي ازدهرت في الولايات المتحدة بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001، ثبتت قناعة الكثير من المهاجرين/ اللاجئين الجدد بالابتعاد عن أي نشاط سياسي قد يعرّضهم لمضايقات أمنية وعنصرية تهدد وجودهم وعائلاتهم في هذا الوطن البديل الآمن.

صعود الإسلاموفوبيا قلص من رغبة العرب بالمشاركة في الحياة السياسية الأمريكية

ذلك لا ينفي وجود اتجاه عام في الأوساط الأمريكية العربية لتأييد سياسات الحزب الديمقراطي، التي تدافع عن حقوق الأقليات في الولايات المتحدة، ولا يشوب هذا التوجه إلا تقليد تصويت الجالية العربية في ولاية تكساس لصالح الجمهوريين. كما يخالفه جذريًا المسيحيون الذين يشكلون غالبية الجالية اللبنانية، التي تعد من الأقوى والأكثر نفوذًا بين الجاليات العربية، والأكثر اندماجًا في المجتمع الأمريكي ودورته الاقتصادية.

ويرى إيلي، الشاب الأمريكي من أصل لبناني، أنه يلتقي أكثر مع طروحات الحزب الجمهوري بشأن السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الاوسط، (!)، "أوباما فشل في سوريا وانسحب من العراق وأضعف الوجود الأمريكي في العالم". وعندما تستفسر عن أسباب تأييد إيلي للحزب الأكثر تطرفًا، رغم أنه من أصول لبنانية، تجدها عائدة إلى أسباب دينية، إذ يرد إيلي بأن "العرب الذين انتخبوا أوباما في الدورات الانتخابية الماضية اختاروه أيضًا لاعتبارات دينية وعرقية، كونه ابن مهاجر مسلم يدعى حسين". هكذا إذًا، ينقل جزء من العرب مشاكلهم إلى أميركا، ولا يستفيدون من أي حلول، قد تقدّمها بلاد الأحلام الكبيرة!