02-مارس-2016

توفيق عكاشة (Getty)

بموافقة أكثر من ثلثي الأعضاء، قرر مجلس النواب المصري اسقاط عضوية الإعلامي توفيق عكاشة من البرلمان على خلفية استقباله للسفير الإسرائيلي "حاييم كورين" في بيته في محافظة الدقهلية، وهو استقبال يمثل سابقة في تاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية، إذ رغم قوة العلاقات بين السلطات المصرية والإسرائيلية منذ كامب ديفيد حتى اللحظة، لكن لم تجر عادة لدى سفراء الكيان في أن يتجولوا في محافظات مصر بصحبة أعضاء برلمانيين، القرار يأتي بعد سلسلة من المشادات الداخلية في البرلمان بخصوص هذا الاستقبال، والتي وصلت إلى ذورتها عندما قام النائب كمال أحمد بضرب توفيق عكاشة بحذائه داخل المجلس.

أزمة توفيق عكاشة وتطبيعه مع إسرائيل سقطت للبرلمان من السماء، ليظهر للناس كأن هناك برلمانًا حقيقيًا يناقش أشياء مهمة غير مرتبات أعضائه

الجدير بالذكر، أن البرلمان، الذي له صلاحية دستورية بتشكيل الحكومة، قد أنهى مهمة الموافقة على كل القوانين التي أصدرها الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ رئاسته، في خلال أربعة أيام من جلسه انعقاده الأولى، ثم اكتفى، بعد ذلك، بعقد جلسات مطولة يناقش فيها تجديد لائحته الداخلية ومقادير البدلات والمرتبات التي يريدها أعضاؤه، دون أي عمل جدي آخر، حتى جاءته هذه الحادثة، المشكوك في حدوثها بإشارة خضراء من أعلى السلطات.

اقرأ/ي أيضًا: اليوم السابع..غباء اللقاء الأول مع الأوسكار

بل إن السيسي كان قد لوح في خطابه الأخير بأن وضع صلاحية تشكيل الحكومة في يد البرلمان قد يجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، وهو بذلك كان يسحب الورقة الأهم التي قد تعطي البرلمان، المشكل في غالبيته الساحقة من مؤيدين مخلصين للسلطة، أي أهمية.

لهذا يبدو أن أزمة توفيق عكاشة قد سقطت للبرلمان من السماء، ليجد فرصة يظهر فيها كأن هناك برلمانًا حقيقيًا يفعل شيئًا غير مناقشة مرتبات أعضائه، ويتخذ موقفًا يرى أنه قد يعيد إليه احترامه المفقود في الشارع المصري. وأخيرًا وجد بعض النواب الشعبويين، الذين فقدوا مصداقيتهم عند الناس، فرصة للظهور في الإعلام ولممارسة بعض الألعاب البهلوانية السياسية فيما يخص محاربة التطبيع، عن طريق خوض معارك دونكيشوتية ضد توفيق عكاشة، بعد حدسهم -أو ربما بعد معلومات مباشرة- أن الأجهزة الأمنية قد رفعت حمايتها عنه، وأن باستطاعتهم أن يسددوا إليه بعض اللكمات، بل بدا التنافس بين النواب لتسديد اللكمات ضد عكاشة، تعبيرا عن قناعة مترسخة داخلهم أن سماح السلطات للنواب بالدخول في المشهد السياسي، في برلمان منزوع الصلاحيات تمامًا، هو سماح مؤقت جدًا ويجب استغلاله فورًا، وإلا فقد تمر فترة طويلة قبل أن يسمح لهم بالصعود إلى خشبة المسرح مرة أخرى.

 كما أضفت الأزمة نوعًا من الحيوية الزائفة على عمل المجلس، فقد أحال المجلس سريعًا عكاشة إلى لجنة تحقيق، متهمًا إياه بـ"التحدث عن أمور تمس الأمن القومي خلال لقائه بالسفير الإسرائيلي"، اللجنة التي أوصت بعقاب عكاشة من حضور جلسات البرلمان حتى نهاية دورة انعقاده الأولى، إلا أن مجموعات مختلفة من النواب، وفي طليعتهم بعض النواب القريبين من السلطة، مثل النائب مصطفى بكري، طالبت برفض توصيات اللجنة وضرورة إسقاط عضوية عكاشة، ويبدو ذو دلالة هنا احتفاء عدد من الصحف المصرية المقربة من السلطة بطرد عكاشة الذي أصبحت تطلق عليه "نائب التطبيع"، وهذا ما يفرض على الأذهان الاحتفاظ قليلًا بما ورد في الجانب الإسرائيلي من تلميحات وتحليلات تتحدث عن الحادثة بما هي بالون اختبار للشارع المصري في مسألة العلاقة مع دولة الكيان، وفي الوقت عينه لا يضر هذا العرض المستمر بمصالح نظام السيسي، بل يظهره مظهر حامي الحمى.

طرد عكاشة بسبب استقباله للسفير الإسرائيلي، يأتي أيضًا بعد أن قطعت السلطات المصرية مسارًا طويلا من أجل تمتين علاقتها بالسلطات الإسرائيلية، منذ أن أعادت السفير الإسرائيلي إلى مصر، بعد مغادرته إبان فترة حكم المجلس العسكري على خلفية ما يسمى بـ"أحداث السفارة الإسرائيلية"، وكما بعد فترة قصيرة من تسلم السفير المصري "حازم خيرت" رسميًا مهام عمله كسفير مصر في إسرائيل، بعد أن كان الرئيس الأسبق محمد مرسي، قد استدعى السفير المصري من إسرائيل أواخر العام 2012 على خلفية الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.

أخيرا، يجدر الإشارة إلى أن علاقة عكاشة بالسلطات المصرية، التي ظل محسوبًا كأحد أهم إعلامييها إلى فترة قريبة، تمر بمنعطف حاد منذ فترة، كان أحد أبرز محطاته حين اتهم عكاشة أجهزة المخابرات والأمن المصرية بالتدخل في شؤون عمل البرلمان وبإثارة الفتن ضده وتشويه صورته لدى الناس، ما جعله يهدد، حينها، بالاستقالة من البرلمان والسفر خارج مصر.

اقرأ/ي أيضًا: 

مصر..التطبيع مع إسرائيل في "برلمان الغبرة"

الفرعون ب"5جنيه" والحسابة بتحسب

تكلفة بقاء نظام السيسي