30-أغسطس-2016

(مؤسسة اللاجئين الهولندية)

النشيد الأوّل:

لو مرَّ نجمٌ عابرٌ في أرضهمْ
شهدَ القيامةَ قبلَ ميعادِ القيامةِ
واستراحَ على بقايا نخلةٍ
ماذا يقولُ؟
لو أخطأتْ جهةُ القذيفةِ 
ثمّ شقتْ صخرةً نبويةً في أرضهمْ
وتفجرتْ منها دموعُ الأنبياءِ حمامةً
ماذا تقولُ؟
لو أنّ رائحةَ الدمِ المسفوكِ في أرضِ الضحايا
أيقظتْ هابيلَ من غيبوبةٍ
ماذا يقولُ؟
جميعُهم سيقولُ
عن أهلِ البلادِ بأنهم:
وُلـِدوا من الحَوْرِ القديمِ 
على ترابٍ طرّزتهُ 
قوافلُ السريانِ
بالخطّ الأراميّ البديعِ/
ولـِدوا من الزلّ الطويلِ على ضفافِ النهرِ
واستندوا على قصباتهِ ليثبّتوا عظمَ الضلوعِ/
ولـِدوا من البابونجِ والخبّازِ
والتحفوا حقولَ القطنِ غيمًا من ربيعِ/
ولـِدوا طحالبَ من حجارةِ سورِ أوروكَ العظيمِ
وردّدوا قانونَ حمّورابي في بدءِ الحصادِ
ليحفظوا عرقَ الجبينِ من العجولِ السامريّةِ
واستقلّوا قاربَ الميلادِ
كي يمضوا على إيقاعِ قُدّاسِ الفراتِ
إلى مصبِّ الماءِ في أرضِ المَعادِ
ولمْ يكونوا يعرفونَ بأنّ طيرَ "الهاربيزِ"
الوحشيّ في بيضِ الغدِ الغيبيّ
ينتظرُ القواربَ كي يطاردها
ويطردَها إلى بحر الدموعِ/
ولدوا 
على نفحاتِ مكيٍّ
يديرُ الأرضَ
حولَ سراجِ
آيةِ مصحفٍ
ويُحيلُ لفْحاتِ الصحاري
نسمةً
تـَـلـِدُ 
الغيومَ من السَّمومِ
تطهّروا قبلَ الولادةِ 
بانصبابِ مياهِ عرشِ اللهِ
تحنانًا على أرضِ الرجوعِ/
*

كانوا هنا 
كانت هنا فتياتهمْ
يغسلـْـنَ عند ضفافِ دجلةَ والفراتِ الصوفَ
مثلَ كواكبٍ تمتدّ في دربِ التـَّـبـَانـةِ
كانَ شبّانُ القبائلِ
يجمعونَ شباكَ صيدهمُ
فصوتُ الريحِ بينَ الزلّ
توقظ من فراشِ الليلِ
"سُعْـلوةً"
فتخدعُهمْ
وتأخذهمْ
إلى منفى الهزيعِ/
وِلدوا
وما عرفوا
بأنهمُ يطيلونَ التبصّرَ
في المدى
ليشيّعوا كبناتِ نعشِ بالرحيلِ
أباهمُ الوطنَ المضرّجَ بالنجيعِ/
ولدوا
ليبتعدوا
وما وعدوا الحقولَ
بأنْ يعودوا
في نهاياتِ الربيعِ/
فعلامَ تمطرُ هذهِ
الغيماتُ
قدْ رحلَ الرعاةُ
وضاعتِ الأغنامُ
وانكسرتْ قرونُ الكبشِ 
لمْ يعدِ النهارُ
يقيسُ رحلتهُ بميقاتِ القطيعِ/
أشواقُ صوفيٍّ سَرتْ في الروحِ
حينَ تذكروا العصفورَ
كيفَ يحطُّ فوقَ قرونِ كبشٍ
أو على صوفِ الخرافِ/
سبحانَ من جعلَ الطريقةَ
بينَ حيوانينِ مختلفينِ واحدةً
ولمْ تقدرْ صنوفُ الكائنِ البشريّ
أن تبكي على آلامها دون اختلاف/
من صوفةٍ
قدْ عانقتها ريشة ٌ
ولـِدوا
وهل ولـَـدوا الزمانَ
ليتركوه فريسةً
بفمِ الجفافِ/
نزحوا 
وما نسجوا بحقلِ القطنِ
أثوابَ الزفافِ
لعرسِ تشرينَ الجميلِ
ولم يعودوا للسهولِ
 يراقصون الضوءَ بينَ عرائشِ الأعنابِ
في عيدِ القطافِ/

النشيد الثاني:

كتبَ الحمامُ على السطوحِ قصيدةً
بالريشِ تنشدها الرياحُ وهاجرَ
وأزاهرُ العبّادِ يبكي شعرُها
الذهبيّ طفلًا ضمّها وتحاورا
قالتْ أتذكرُ كم غروبٍ ذابَ في
عينيكَ تـَـرْقـُـبـُهُ لــــكي نتَـــكاثرَ
قال: الـثـُـمـِـيـنــي ثمّ غابَ ورددتْ
أينَ الشقيُّ الحِبُّ كي نتشاجرَ؟
والأمّ أسقتْ باليدِ الصيصانَ
وارتحلتْ على وجعٍ يخلّدُ ما جرى
ماذا جرى؟ رجـَفَ الثرى تحتَ الخطى
عـــندَ الــــــرحيلِ مودِّعًا فـــتـــناثـرَ
رحلوا فأسقطتِ السماءُ جنينها
ما عاد بعدهمُ الملاكُ مصاهِرًا
أشجارَهم ، كلّ الغصونِ عقيمة ٌ
حتى شعاعُ النجمِ صارَ خناجرا
ساروا وطائرُهم يصوّبُ نظرةً عبثًا 
أَمِنْ عدمِ الجهاتِ تحاصرَ؟
عادَ السنونو بعدهم للبيتِ 
لم يجدِ الزمانَ ولا المكانَ كما درى
الكلُّ غابوا تاركينَ وراءَهم
قمرًا على مرضِ النوافذِ ساهرًا
فبكى السنونو قائلًا:
يا أمسِ يا غدُ يا أوانُ قفوا:
نـُـبـَـكِّ الكونَ 
من ترحالهمْ.
أو ما علمتمْ 
أنّ في هذي البلادِ
البيضُ في الأعشاشِ
يُخرِجُ شاعرًا
حتى غيومُ الصيفِ
تمطرُ شاعرًا
*

هذي البلادُ إذا فركتَ صخورَها
أخرجتَ منها زهرةً شعريّةً
أو عشبةً سحريّةً ترنو إليكْ
وتقولُ: ماذا تشتهي؟ لـبـّـيكْ
هذي بلادٌ كلما قبــّــلـــتــها
كـَـسرتْ جرارَ الوحيِ في شفتيكْ
هذي البلادُ
هواؤها عسلٌ على نهدي فتاةٍ نائمة ْ
يمتصّهُ حجرُ الطريقِ إلى التلالِ الحالمة.
رحلوا وقد تركوا قدورَ ضيوفهم 
فــــوق الحجارةِ جــاثمة ْ
أشجارُهمْ من بعدهمْ
مرضتْ بداءِ الربوِ
خشخشَ صدرَها
هَـرَبُ الطيورِ من الوجوهِ الغائمةْ
رحلوا وقالوا لاغتيابِ الساخرين المشفقينْ.
لا تسخروا أو تشفقوا
أتحبُّ نظرتـكمْ بأنْ تكوى بجمرِ غيابها عن تربةِ الوطنِ الحنونْ.

اقرأ/ي أيضًا:

كيت شوين: قصة ساعة

الذي يفقد ظله