16-مايو-2016

النّكبة، التي بدأها الفلسطيني، التحق به العراقي والسّوري مؤخّراً(Getty)

واقع النّكبات المتتالية أصبح مألوفاً للمواطن العربي، أكثر من ثلاثة أجيالٍ عايشت النّكبات وتوارثتها أشكالاً من الإحباط والخذلان، فلسطين كانت فاتحة عهد السّقوط، وبوابة ولج منها الإسرائيليون لتأسيس دولتهم في ظل صمتٍ دولي وعربي مطبق.

الاستعمار لم يكن ليجد موطئ قدم في بلادنا بسهولة لولا خلاف الحكّام العرب حينها على الحصص ومناطق النّفوذ

اقرأ/ي أيضًا: أركيولوجيا النكبة

جولةٌ بسيطةٌ بين صفحات التّاريخ، أي ما بعد احتلال العرب للأندلس، تعاقبت عدّة جنسياتٍ وأعراقٍ على احتلال المشرق، وفي معظم الأحيان بطلبٍ من المشرقيين أنفسهم، أي أجدادنا، فالفارسي حكم بلادنا، ومثله فعل العثماني التّركي، ومن قبلهم المماليك وبعدهم الاستعمار. الاستعمار لم يكن ليجد موطئ قدمٍ في بلادنا بسهولة لولا خلاف الحكّام العرب حينها على الحصص ومناطق النّفوذ، وهذا الذي تغلّب على احترام السّيادة، ما شجّع بريطانيا على وهب فلسطين للإسرائيليين، "هرتزل" وأصحابه، عبر "وعد بلفور" المشؤوم.

منذ 1948 وإلى يومنا هذا، والخطابات الشّعرية العاطفية هي الطاغية على ذكرى النّكبة، شجر الزّيتون، حمامة السّلام، تقديس الحجر والتّمسك بحقّ العودة. أما على الأرض، فالسّياسة الوحيدة التي تنتهجها سلطة عبّاس محصورة بالتّنسيق الأمني، فعبّاس صدّق أن له دولةً يرأسها وحكومة وأجهزة أمنية، يقدّم نفسه خادماً مطيعاً للإسرائيلي، يعتقل المقاومين ويضيّق عليهم، لا يكتفي بذلك، بل يتصرّف كديكتاتورٍ عربيٍ من الحجم الصّغير، يعتقل من يسخر منه على مواقع التّواصل الاجتماعي أو من يفكر في انتقاد سلطة أوسلو الوهمية حتّى.

الأنكى أن عبّاس نفسه، يرأس منظمة التّحرير الفلسطينية، التي لم يتبقَ من معانيها وأهدافها إلا اسمها، تجمع مجلسا من عجائز الفصائل الرّافضين للتقاعد، بأجور ومعاشاتٍ شهرية، تكفي لنظم القصائد والتّغزل بالزّيتون، يناسب منظمة التّحرير تسميتها بمنظمة النّكبة، فنكبة فلسطين ليست يوم احتلالها فقط، بل يوم أصبحت مادة اسرتزاقٍ لبعض أبنائها ودول المحيط على حدٍّ سواء.

النّكبة التي بدأها الفلسطيني، التحق بها العراقي والسّوري مؤخّراً

اقرأ/ي أيضًا:  ذكرى النكبة..احتفالات واستغلال سياسي

النّكبة، أو رحلة الشّتات التي بدأها الفلسطيني والتحق به العراقي والسّوري مؤخّراً، تعكس واقع السّياسة العربية المتخاذلة، وتمثّل المشهد الأخير من حرب تحرير فلسطين القرن الماضي، يوم انسحبت الجيوش العربية من القتال وتركت الإسرائيلي ليتسلّح ويستعدّ، مع أن العرب يملكون من الأسلحة العسكرية ومجموعات الضّغط والدرة المالية – النّفطية ما يكفي لإرجاع فلسطين إن أرادوا، لا أن يحصروا تمثيلها بسلطة التّنسيق الأمني. ولدت السّلطة كناطورٍ يضمن تصفية القضية من الوجدان الفلسطيني أولاً والعربي ثانياً. السّلطة تمثّلها حكومة، وقطاع عام وموظّفون، وأجهزةٌ أمنية قمعية تعتقل أبناء فلسطين، ينقصها فقط، أي السّلطة، اعترافٌ دولي ودولة تحكمها، لا مناطق محدّدة السّيطرة تحت المجهر الإسرائيلي، ولو أن عبّاس ومن معه، أثبتوا جدارتهم بلعب دور الحارس الأمين، لمصالح إسرائيل لا فلسطين.

في السّابق، كانت فلسطين القضية المحورية والأولوية. اليوم، يتشارك الفلسطيني الحزن مع السّوري، لأن طريق القدس شاء أن يمر من سوريا، وسرقت سوريا الأضواء من فلسطين، لتلوّن مشاهدها بألوانٍ شبيهة بالتي تتلوّن بها فلسطين كل يوم، بالأحمر والأسود على حدٍّ سواء، كما يُعتقل أبناء البلدين، خاصّة الأطفال، ويحكمون بالمؤبّد، مع أنهم سجناء أصلاً، سجناء التّخاذل والخذلان.  

اقرأ/ي أيضًا: 

صنّاع النكبة الفلسطينيون

رحيل سلمان الناطور.. النكبة من منظورها الشخصي