29-يونيو-2016

من احتجاجات سابقة شهدتها الجزائر اعتراضًا على استخراج الغاز الصخري (Getty)

لم تكن وزيرة التربية السيدة نورية بن غبريت، منذ تعيينها مطلع أيار/مايو عام 2014 محمية وقوية من طرف محيط الرئيس، مثلما هي عليه هذه الأيام التي شهدت تسريبات غير مبررة لأسئلة شهادة البكالوريا أكثر الامتحانات احتفالًا بها في أوساط الجزائريين، في الوقت الذي كانت تنتظر فيه شرائحُ واسعة إقالتها أو توبيخها على الأقل، لأنها الرقم الأول في وزارة ما كان لها أن تسمح بأي شكل من الأشكال بهذا التصرف الذي ضرب هيبة الدولة والشهادة العلمية.

لم تكن وزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريت محمية وقوية من محيط الرئيس، مثلما هي عليه هذه الأيام 

أولى إشارات الدعم والمساندة وصلت الوزيرة من رجل المخابرات الأول السيد عثمان طرطاق الذي كسر عرفًا جزائريًا سائدًا منذ ربع قرن، هو أن ينأى مدير المخابرات بوجهه عن الكاميرات، بظهوره جنبًا إلى جنب وأذنًا إلى أذن معها في حفل تخرج الدفعة الجديدة من الضباط في "أكاديمية شرشال العسكرية"، مع مراعاة رمزية مكان الظهور أيضًا، واقتصار دعوة المؤسسة العسكرية عليها من الوزراء.

اقرأ/ي أيضًا: حرب الأسماء

ثم جاءت ثاني الإشارات على يد السيد أحمد أويحي مدير ديوان الرئيس، والأمين العام لثاني حزب حاكم، بقوله إن الذين أشرفوا على عملية التسريب إنما أرادوا أن يضربوا عنصري الصرامة والإصلاحات اللذين تتميز بهما الوزيرة، مستنكرًا على بعض نواب الشعب أن يوجهوا سهامهم إليها عوض العمل على سن قوانين وإجراءات ناجعة تحمي الجزائريين من هؤلاء المسربين وأمثالهم.

الإشارة الرابعة كانت على يد رئيس الحكومة بتكليفها بأن تنوب عنه في إعلان الإجراءات المتخذة من طرف "مجلس التضامن الحكومي"، وللاسم دلالته، منها إعادة جزئية للامتحان، تمس المواد التي مسها التسريب.

أما الإشارة الرابعة فقد كانت ذات صبغة دينية صرف، من طرف السيد محمد عيسى وزير الشؤون الدينية والأوقاف الذي قال في حوار أجرته معه "قناة النهار" إن الذين يتهجمون على "الوزيرة الفاضلة" مدعوون إلى الانخراط في "مسعى أخلقة المجتمع الجزائري" الكفيل بزوال ثقافة الغش بشكل عفوي.

اقرأ/ي أيضًا: "غوستاف لوبون" أمام لجان الثانوية العامة!

من هنا، باتت الوزيرة محمية من طرف المؤسسة العسكرية والمؤسسة الرئاسية والمؤسسة الحكومية والمؤسسة الدينية، وما على المطالبين بتحميلها المسؤولية الأخلاقية على الأقل، إلا أن يشربوا من البحر، فإن لم يعجبهم فعليهم بـ"وادي الحراش" الذي ظل يزود عاصمة البلاد بالروائح الكريهة على مدار نصف قرن، من غير أن تعمل حكومة من الحكومات المتعاقبة على إيجاد حل له.

باتت وزيرة التربية محمية من طرف المؤسسة العسكرية والرئاسية والحكومية والدينية

هذه الحمايات الأربع التي صبتها أقوى أربع مؤسسات في الفضاء الجزائري، على وزيرة يدعو الشعب كله إلى معاقبتها، حظي بها قبل شهرين فقط وزير آخر دعا الشعب كله إلى معاقبته أيضًا، هو السيد شكيب خليل الوزير السابق للطاقة والمناجم، والذي كان مطلوبًا من طرف الشرطة العالمية ومن طرف القضاء الجزائري، ثم فجأة سُحبت مذكرة التوقيف من "الإنتربول"، وأنكرت وزارة العدل أنها أدرجت اسمه ضمن المطلوبين لعادلتها، وتمت عودته عن طريق المطار باستقبال رسمي، ثم تكريمه من طرف نخبة من الزوايا الصوفية.

هكذا يطرح سؤالان نفسيهما بنفسيهما: هل أراد محيط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن يمرر رسالة إلى الجميع، خاصة المشككين في قوته، مفادها أنه أقوى أطراف الصراع، وما على الخصوم والمعارضة إلا الدخول في الصف؟ أم أنه أراد القول إنه وفي للوجوه الوفية له، وما على الخائفين منه إلا المراهنة عليه لأنه محيط نبيل؟ 

في الحالتين كلتيهما، فقد تم تمرير الرسالتين أو إحداهما على حساب هيبة الدولة ومصالحها العليا، لأن رسالة أخرى سيتلقاها الرأي العام الوطني والدولي، مفادها أن الدولة باتت هي من يحكمها، وليست تلك المؤسسات المشتركة بين الجزائريين كلهم، بما يوحي بأن هناك صراعًا خفيًا بين الأجنحة، فيهرب المستثمرون الذين شرعوا في الاستثمار، ويُعرض المستثمرون الذين كانوا ينوون القدوم، وتفسد نوايا المواطنون ويقل إحساسهم بالأمن، خاصة الشباب منهم، وتعود ثقافة المراهنة على الخارج بكل مفاهيمها. 

اقرأ/ي أيضًا: 

داعش مدرستنا

التسول مشكلة اجتماعية وسياسية