01-يونيو-2016

في جبل محسن (Getty)

في وقت لم يستفق فيه اللبنانيون بعد من وقع التسونامي السياسي الذي ضرب عاصمة لبنان الثانية طرابلس، ومنح وزير العدل المستقيل أشرف ريفي اليد العليا في المدينة الشمالية، بدأت التحليلات والانتقادات الواسعة على المستويين السياسي والشعبي لنتائج هذه الانتخابات، على اعتبار أنها أقصت الكثير من مكونات المدينة الأساسية (المسيحيين والعلويين)، وكرّست اللون الواحد للمجلس البلدي ( الطائفة السنيّة).

الغمز أن انتخابات طرابلس هي وليدة قرار ممنهج بإقصاء المسيحيين خاطئ تمامًا

هذه الاتهامات لطرابلس قد تكون بعيدة عن الواقع ومحاولة لتشويه الحيثية الجديدة التي نجح ريفي بتثبيتها في المدينة، وكسر خلالها العرف السياسي المتوارث، فالسبب الأساسي لإقصاء المسيحيين هو القانون الانتخابي الحالي، الذي يكرّس هيمنة الأكثرية في مختلف المناطق اللبنانية، وبطبيعة الحال فإن السواد الأعظم في طرابلس هو من الطائفة السنية.

اقرأ/ي أيضًا: طرابلس تنتفض.. اللواء للواء

كما أن الغمز عبر القنوات الإعلامية أن نتائج طرابلس هي وليدة قرار ممنهج بإقصاء المسيحيين، وأن عمليات شطب أسمائهم من اللوائح جاء على خلفيات طائفية أيضًا خاطئ تمامًا، كون الأرقام أظهرت أن المرشحة المسيحية فرح عيسى حصدت 15763 صوتًا متفوقة على مرشح الجماعة الإسلامية – واحدة من أبرز التيارات السياسية السنية في الشمال - زياد حموضة الذي حصد 13725 صوتًا ما يشير إلى أن الرأي العام الطرابلسي، لم يقص لائحة تحالف الأحزاب والتصويت وفقًا للأهواء الطائفية كما يروج البعض، ليصار إلى وصف المدينة بـ"عاصمة المسلمين".

بالمقابل، فإن ما سيناريو المدينة الشمالية الإنتخابي كان مشابهًا إلى حد كبير لما حصل في مدينة زحلة البقاعية الجولة التي سبقته، حيث غاب عن مجلسها البلدي الجديد أي عضو من الطوائف الإسلامية، وذلك بسبب المعركة الحامية بين الأطراف السياسية المسيحية المهيمنة في المدينة، وهي معركة تسببت بحرمان قرابة الـ 10000 مسلم من إيصال ممثليهم إلى السطة المحلية، غير أن الإعلام لم يتطرق إلى واقع زحلة على أنه تطرف مسيحي وإقصاء وتهميش مقصود للمسلمين.

بعيدًا عن الخطاب الطائفي الذي يشوب معظم التحليلات "السياسية" الراهنة، فإن مراجعة الوقائع والمعطيات التي رافقت العملية الانتخابية، تفضي إلى أن فوز ريفي بالانتخابات البلدية كان انعكاسًا منطقيًا لحركته الدعائية المكوكية خلال فترة ما قبل الإنتخابات لا سيما في أحياء المدينة الفقيرة، كاسرًا صورة الزعيم الذي لا يتعرف على مؤيديه سوى وقت الانتخابات، على غرار الصورة التي ظهر بها رئيس تيار المستقبل سعد الدين الحريري خلال زيارته الأخيرة للمدينة.

كما أن المعطيات السياسية التي رافقت المرحلة السابقة ساهمت بتعزيز صورة ريفي كرجل ثابت المواقف، خصوصًا فيما يتعلق بالعلاقة مع حزب الله والثورة السورية، إلى جانب استقالته من الحكومة رفضًا لطريقة تعاطي القضاء مع ملف الوزير السابق ميشال سماحة المدان بنقل المتفجرات من سوريا إلى لبنان، وتشكيلها إضافة إلى رصيده الشعبي في صفوف المؤيدين للثورة السورية. واستفادته من النقمة الشعبية في الشمال على ترشيح الحريري للوزير السابق سليمان فرنجية كرئيس للجمهورية، في الوقت الذي يجاهر فيه الأخير بصداقته مع آل الأسد، وهو ما يتناقض مع الشعارات التي لطالما أطلقها تيار المستقبل منذ إندلاع الثورة قبل 5 سنوات.

اقرأ/ي أيضًا: "الطحالب" يطفون على سطح ليبيا من جديد

يجب أن يوجه النقد إلى النظام السياسي اللبنان الذي يكرس التقسيم المناطقي والمحاصصة الطائفية

ناهيك أن التحالف الأخير الذي تم في منطقة الشمال لتشكيل لائحة في مواجهة ريفي يشوبها أصلًا الكثير من المشاكل في تركيبتها، حيث أن تحالف ميقاتي – الحريري الظرفي لا يمكن أن يستمر في ظل رغبة الأول بانتزاع زعامة الشمال من "المستقبل"، إضافة إلى أن وجود الجماعة الإسلامية (داعمة للثورة السورية) في نفس اللائحة مع جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (مؤيدة للنظام السوري) يؤكد وجود خلل حقيقي في التحالفات وقد ظهر بشكل واضح للناخبين، ما انعكس إيجابًا على ريفي صاحب شعار "ضدن كلن".

وبعد أن كرّست الانتخابات البلدية الأخيرة هيمنة الأكثريات المذهبية في محافظات لبنان، يبقى السؤال الحقيقي لمن يجب أن توجه أسهم النقد؟ إلى الناخب العادي الذي اقترع تحت تأثير الأزمات السياسية والطائفية التي تعصف بالمنطقة ككل؟ أم إلى النظام السياسي الحاكم في لبنان الذي يكرس التقسيم المناطقي بين الأحزاب التي تتغذى على المحاصصة الطائفية؟

اقرأ/ي أيضًا:

انتخابات الجنوب.. كسر الاحتكار

لبنان.. "أم خالد" والطّبيعة الموروثة