10-أبريل-2016

مشهد من النجف

مشهد اكتظاظ جثث الموتى في مدينة النجف (180 كم جنوب العاصمة بغداد) أعاد الذاكرة إلى مشاهد ضحايا الحرب العراقية الإيرانية، خلال ثمانينيات القرن المنصرم. استرجاع صوري أطر حقيقة رخص العنصر البشري في هذه البلاد.

منذ انطلاق فتوى "الجهاد الكفائي" من قبل المرجعية الشيعية في النجف، بدأ زبائن الموت يتكاثرون على المدينة في صورة مشابهة لتكاثر قتلى الحرب

عبر مدخل شارع الطوسي وسط المدينة القديمة والفاصل بين المقبرة والضريح المقدس للإمام علي (ع)، ثمة حالة من الرواج الجنائزي اليومي على مدار أربع وعشرين ساعة دون انقطاع. حيث أعدت إدارة العتبة العلوية فريقًا متكاملًا لإدارة عملية نقل الجنازة عند استقبالها من أول الشارع إلى البوابة الرئيسة للمرقد العلوي الشريف. إذ تجد طاقمًا متكاملًا مكونًا من موظفين في العتبة مصحوبين بسيارات مخصصة على نطاق الصناديق الصغيرة للموتى، بغية إيصالها إلى الضريح والطواف بها حوله ومن ثم الصلاة عليها.

اقرأ/ي أيضًا: سلمان في القاهرة..السعودية تحاول ضرب إيران من القاهرة

الموظف في العتبة العلوية زين العابدين خلف، قال لـ"الترا صوت"، "إننا في العتبة خصصنا طاقمًا خاصًا لاستلام الجنائز عند بداية شارع الطوسي إلى باب الضريح المقدس للإمام علي "، مبينًا أن "واجب الطاقم الجنائزي يعمل على مدار أربع وعشرين ساعة وفق نظام الشفتات، حيث يعمل الشفت الواحد 12 ساعة يوميًا لأداء مهامه".

ويضيف خلف أن: "الشفت الأول يبدأ منذ الساعة الثامنة صباحًا ولغاية الثامنة مساء، ومن ثم يبدأ الشفت الثاني باستلام المهام طيلة الـ12 ساعة المتبقية من اليوم أي لغاية الثامنة صباحًا"، مشيرًا إلى "وجود حالة من التناوب بين الموظفين خلال العمل نتيجة كثرة توافد نعوش الموتى إلى المدينة".

ومنذ انطلاق فتوى "الجهاد الكفائي" من قبل المرجعية الشيعية العليا في النجف، بدأ زبائن الموت يتكاثرون مجددًا على المدينة في صورة مشابهة لتكاثر قتلى الحرب العراقية الإيرانية على المدينة.

وهذا ما أكده لـ"الترا صوت" علاء الحسيني رجل دين نجفي، أن "النجف باتت تشهد استعادة لذاكرة واقعية مؤلمة وهي حرب الثمانية عقود المنصرمة، وكيفية تقاطر جثث قتلى الحرب على مقابر المدينة"، مؤكدًا "عدم خلو مشاهد النعوش المزركشة بالأعلام العراقية، عن شارع الطوسي"، في إشارة منه إلى قتلى الحرب الدائرة مع الإرهاب.

اقرأ/ي أيضًا: وثائق بنما تطال المغرب أيضًا

ويشاطر إياد حسن وهو سائق لإحدى العربات الجنائزية في العتبة، الرأي مع السيد علاء الحسيني قائلًا: "منذ احتلال تنظيم (داعش) للأراضي العراقية في الشمال والغرب بدأت تتوافد جثث القوى الأمنية بكثافة على وادي السلام"، مبينًا أن "معدل الجنائز في اليوم الواحد بلغ مابين 300 إلى 500 جنازة، غالبيتهم من الشباب المقاتلين ضد التنظيم المتطرف في الناحية الغربية من البلاد".

وأشار حسن إلى انخفاض معدل الجنائز هذه الأيام إلى 100 جنازة وذلك بعد تحرير مدينة الرمادي من قبضة تنظيم (داعش)، في الثامن والعشرين من كانون الأول العام الماضي، حيث تتشاطر جنائز الموتى مابين مقاتلين أو متوفيين بطريقة طبيعية نتيجة مرض ما أو كبار سن"، موضحًا أن "العتبة نظمت عملية استلام الجنائز بشكل منظم إذ يتم السير بها نحو الضريح المقدس والصلاة عليها، مجانًا على عكس ماكان عليه في السابق من أخذ جباية مالية في الصلاة على الميت ونقله من وإلى الضريح".

وختم فيما بعد الحسيني القول إن "الوضع الأمني في البلاد هو مقياس تزايد أو انخفاض أعداد الموتى القادمين بهم إلى مدافن النجف"، لافتًا إلى أن "أكثر الفئات العمرية التي تستقبلها مقابر الغري هي فئة الشباب لا سيما منتسبي القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي".

وتعد مقبرة وادي السلام هي أحد مقابر المسلمين والتي تقع في مدينة النجف في العراق، وتعد أكبر مقابر العالم، حيث تحتوي حسب تقديرات على ما يقارب ستة ملايين قبر وأدرجت ضمن قائمة التراث العالمي، وقد حظيت المقبرة بشهرة واسعة بسبب الأحاديث والروايات التي رويت في فضلها، مما جعل الشيعة يتشوقون لتكون هذه المقبرة مثواهم الأخير. وكان لمجاورتها لمرقد الإمام علي بن أبي طالب الدور الأكبر في منحها هذه المكانة الكبيرة، وقد اعتاد الزائرون للعتبات المقدسة المرور بوادي السلام وقراءة الفاتحة للموتى هناك والترحم عليهم والتشرف بالأماكن المباركة فيها. وتضم المقبرة رفاة الكثير من الشخصيات العلمية والدينية والسياسية والاجتماعية من أبناء الطائفة الشيعية.

اقرأ/ي أيضًا: 

خلاف المرجعيات بين النجف وقم..العراق لمن؟

ماذا بعد هزيمة داعش؟