20-فبراير-2016

علاء حمامة/ سوريا

والشوق يأخذني من مغارب الأرض إلى مشارقها. إنّ ساعة من تلك الساعات التي كنتِ شريكتي فيها تستأهل حياتي كلّها، بكلّ تفاصيلها، منذ شروقها إلى يوم غروبها.

هناك أنتِ، وأنا هنا في مكان بعيد بارد. أسهر الليل بطوله وحيدًا لا أنيسَ لي سوى كتابٌ يُبعد عني أفكار البعد، حتى إذا انصدع عمود الصبح الأول خرجتُ مع أوائل المُدلجين أترنح في شوارع لا شمس فيها ولا نورٌ يفيض عليّ منكِ.

إنّ حياة البعدِ لأشدُّ وطأة من حياة معذّب في أحد سجون الموت المنتشرة في بلادنا، أو هكذا أحسّ أنا الغريبُ الوحيدُ في بعادي عنكِ. إنّ قلبي يذوب في كلّ شبر يبعدني عنكِ. أحسّ بأنّني جثة ملقاة على قارعة الطريق، والذئاب متأهبة للانقضاض عليها ونهشها. أعبر بلادًا جديدة كلّ يوم لكن الجمال يهرب مني، وكأنّ به قد أقسم ألا يُظهر لي شيئًا من مفاتنه إلا بحضورك، ويكون الشُّنوع لون صورتي حين أنظر إلى وجهي في المرآة وحيدًا.

لا معجزات هنا ولا مستحيلات، كلّ شيء حيادي، حتى إن آمنتُ بوحيٍ أو بسِّعْلاة فلن يكترث أحد. ابحث عنكِ لتهتمي بترهاتي التي أكتب وأقول.

أنظر إلى صورتكِ كلّ صباح، أولم أقل لكِ سابقًا بأنّ الصبح هو أكثر لحظاتي التي أشتاقكِ فيها؟ إنْ حدث وأُقفلتْ عيناي على الدنيا مدخلة إيايّ في موت مؤقت أحلم بكِ، وإنْ استيقظت أبحث عنكِ ببؤبؤيّ اللذين يدوران في محجريهما عساهما يصادفانكِ في الطريق.

مع كلّ ضوء جديد أهرب إلى صورك المعلقة على جدار معبدي، فأعجبُ من جمالكِ وأشيحُ لهذه المفاتن فاهي. ذات صباح وجدتك أجمل من كلّ مرة سابقة فَـعَصِبتْ روحي ثم صرختْ تنادي باسمكِ. يا لجمالك!

حياتي دونكِ يا حبيبة أشبه بقيء كلبٍ في قحف خنزير. أنتِ الجمال ودونك الأرضُ يبابْ.

كالهواء وجودكِ، لا أستطيع الاستمرار في هذه الحياة البائسة دونَه لكن هذا ليس كلّ شيء. أحبكِ رغمًا عن الدنيا وسأبقى أحبكِ رغمًا عن الدنيا لكن هذا ليس كلّ شيء.

لا أعلم لماذا. لا أعرف كيف انتهى بنا الطريق هنا؛ كلّ ما أعرفه هو أنّي أحبكِ كما أحببتكِ في اللحظة الأولى. تلك اللحظة التي بدأتْ بكتابة تاريخ عمري. ما زال قلبي يُسرّع في دقاته كلّما سمع صوتكِ، وإنْ كان صوتًا يخرج من عقلي الباطن وليس من بين شفتيكِ. ما زلت أتوقف عن التنفس لثوان كلّما مرّت صورتكِ أمام عينيّ. وهل غِبْتِ عنّي يومًا؟! لا أذكر نفسي إلا معكِ. لا أحنّ إلا إليّكِ.

أحبكِ يا زهرة الصبح ويا شريكة الطريق. ستبقين أنتِ عنواني، وأبقى أنا الباحث عن بابٍ يطرقه، فعساه يلقى طريقه خلف هذا الباب.

هل تعلمين بأنّني ما زلت أشعر بالبرد الشديد منذ سمعت صوتك للمرة الأخيرة؟ أشعر ببرد متجه من داخلي إلى خارجي، برد ينخر العظام. منذ تلك الحظة التي سمعتُ فيها صوتك، القادم من ذلك الجهاز البارد المسمى بالهاتف المحمول، وأنتِ تقولين "باي" بدأت أشعر بأنّ قفصي الصدري أصبح أضيق وأنّ قلبي تقلص. صدقيني هذا ليس من مبالغات الشعر وكذبه، هذا ألم فيزيائي أحس به حتى الآن. يالوجعي!!

إنّني أنتظرك هنا رغم علمي بصعوبة الطريق الواصل بيننا. إنّني أنتظرك رغم علمي بأنّ جوازات السفر الحقيرة تحول بيننا.

أحبك كما لن يحب سواي. أحبكِ. تبًا للأبجديات فليس فيها كلمات وحروف تستطيع أن تضع قلبي على طبق وتقدمه لكِ.

أحبكِ إلى أن تغيب الشمس يومًا عن هذا الكوكب البائس.

اقرأ/ي أيضًا:

أن تكون إنسانًا

بلاط الغرباء.. من دمشق إلى بواتييه