21-يونيو-2016

بهرم حاجو/ سوريا- ألمانيا

قصبٌ ينوح على جرحي المفتوح منذ أشهر طويلة، فأنا الآن، كما تعرفين، رمادٌ وبقيّةٌ ممّا كنتُه حينها، معكِ. أنا رمادُكِ. أنا تركتُكِ. بعضي يا حبيبة ذبيحةٌ أنتِ ذابحها، وبعضي الآخر لهيبٌ لا ينطفئ.

رأيت نفسي نائمًا في سريرنا ورأيتك بجانبي تمررين كفَكِ الجميل على وجهي وجسدي تتلمسين مسامات ظهري وأنا أتنفس رائحتك التي لا تشبه إلا رائحتك. تكفيني هذه الصورة لأشعر بسعادة غامرة لا تخف.

ها أنذا أنتظر مرور جنازتي أمامي، أنا الذي يعيش في متسعٍ من فراغ، أنا الذي اكتسيت بكِ دهرًا أنتظر جثتي لتمر وأودعها قبل أن تجعلي التراب غطاء لي وأدفن في شوارعكِ.

حدث ما حدث ومرّت الأيام بسرعة، لم أفهم الكثير من التفاصيل التي حدثت، لكنني الآن على يقين بأن ما كان بيننا قد قُتل. أشعر بحبك وأحبُّكِ، لا يختلف على هذا الأمر شخصان، قلت لك في رسالة سابقة: "إنّي أحبكِ كما أحببتكِ في اللحظة الأولى" لم يختلف الأمر الآن فما زلت أحبك كما أحببتك من قبل، لكن علاقتنا انتهت وماتت. كان لي بعضٌ من أمل لكنّكِ اليوم دفنته بجوار ما تبقى من حطامي. اليوم عرفت أن كلّ شيء انتهى.
لا مكان لحبنا اليوم، لا متسع لنا، كلّ هذه الأرض ضاقت بنا. كان لنا طريق واحد والآن أصبح لنا طريقان، أنتِ اخترت الجنوب وأنا بقيت سجين الشمال.

ربما تكون هذه رسالتي الأخيرة، وربما سأحاول أن أبحث عنك، مرة أخرى، في طرقات المدن التي عرفناها، في باريس وبرلين وأمستردام ووو..، لكن من المؤكد أنّني الآن جلد جديد يرتدي روحًا أخرى غير تلك التي كانت وعرفتِها. 

لا أعرف كيف أقول وداعًا، لا أعرف إن كان عليّ قولها لكن الانتظار صعبٌ ومتعبٌ وقاتل في بعض الأحيان، انتظار بلا أمل، كمّا رجل يجلس على سكةٍ ينتظر قطارًا لا يجيء فيمشي مع اتجاه السكة ليكتشف أنّ السكة لا تصل إلى مكان وهي منقطعة، أما أنا فكنت في الشهور السابقة، رغم معرفتي بانقطاع السكة، منتظرًا. بقيتُ منتظرًا رائحتك تفوح من حولي. الآن أفكر بأن أبدأ طريقًا جديدًا لأن القطار لن يصل. 

قد آن الأوان يا حبيبة لأنزع عن نفسي جلدي، وأبدل الثوب الذي أرتدي. قد آن الأوان لأبدأ من جديد وألملم شظايايّ وأكوّن نفسي من جديد. قد آن الأوان لأولّد نفسي من نفسي فأكون صنعة نفسي لا بقيّة منك. قد آن الأوان لأكون نفسي لا أن أكون الظلّ التابع لعلاقة ميتة.

لا أعرف لماذا، وأنا أكتب لكِ هذه الرسالة، أرى نفسي صغيرًا ممسكًا بيدي أمي ونحن نمشي في شوارع الشام. أهي آخر رسائلنا. هل تذكرين المئات من رسائلنا؟

صعبٌ هو الطريق دونَكِ، صعبة هي الحياة لكن، مع الأسف، لا بدّ منها. سأتعلم المشي مرة أخرى وسأحاول أن لا أتعثر مع كل خطوة. سأتعلم الكلام من جديد وسأحاول أن لا أخطئ حين أنطق اسمكِ يا حبيبة.

لا وقت لنا الآن، لا وقت لي الآن وفي الهواء يضيع كلّ الكلام، ما فائدة الكلمات؟ أليست الأشياء كلّها عبثٌ الآن؟ وحيدًا سأحارب هذا العبث الآن، وحيدًا يا حبيبة، وحيدًا.. وحيدًا…

اقرأ/ أيضًا:

ذئبُ المكان اليَقِظْ

السيد القائد