25-يناير-2016

أن تكون حقوقيًا يعني بكل بساطة أن تكون إنسانًا(عزيز كاريموف/Pacific Press)

عندما اخترت العمل الحقوقي كمنهج حياة، أقسمت أن أحترم الإنسان بغض النظر عن معتقده أو جنسه أو لونه. عاهدت نفسي أن أكون مناصرة للقضايا العادلة وأن أنحاز لثورات الشعوب المفقرة المضطهدة، كلفني ذلك ما كلفني، لأنني يا صديقي قد نشأت على قناعة ورثتها عن أمي، وهي أن المبادئ لا تتجزأ.

عندما اخترت العمل الحقوقي كمنهج حياة، أقسمت أن أحترم الإنسان بغض النظر عن معتقده أو جنسه أو لونه

لا أخفيك يا صديقي أن التقلبات الأيديولوجية التي عشتها خلال فترة المراهقة قد ساهمت إلى حد كبير في احترامي لكل المرجعيات الفكرية وإن اختلفت معها، فأن تكون حقوقيًا يا صديقي، يعني أن تنسى ما تؤمن به لتنتصر لما يؤمن به غيرك وإن اختلفت معه، يعني أن تضحي لتسعد الآخرين، وأن تنتصر للإنسان بلا تفرقة وبلا كيل بمكيالين، وأن تكون حقوقيًا يعني بكل بساطة أن تكون إنسانًا. أقدر يا صديقي صعوبة استيعابك ما أرمي إليه، لكنني سأكون معك واضحة وضوح "أدلجتك" التي جعلت منك مجرد تاجر يتدثر برداء الحقوقي.

تاجر يتباكى على حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، بينما يقف في صف من حاصر شعبه وجوّعه وأحرقه بالبراميل المتفجرة في سوريا، ويهتف في "الكرنفالات الحقوقية": "الله، سوريا، بشار وبس"، يندد ويستنكر دخول القوات التركية للأراضي العراقية، منذرًا بخطر "الغزو العثماني الجديد"، هاتفًا باسم روسيا وواضعًا صورة "المهدي المنتظر" فلاديمير بوتين على بروفايله على فيسبوك، ابتهاجًا بقصفه للأراضي السورية غير عابئ بآلاف الأرواح البريئة التي أزهقت بغير وجه حق جرّاء هذا العدوان.

تاجر يتظاهر ضد استعمال "الرش" من قبل "حكومة الخوانجية" ضد التظاهرين في مدينة سليانة التونسية، ويخرج أمام السفارة المصرية رافعًا علم أم الدنيا، فرحًا بمجازر نظام انقلابي فاشي إزاء "خصوم أيديولوجيين"، أزيحوا عن الحكم على ظهر دبابة، ويعود إلى نفس المكان بعد أشهر باكيًا شيماء الصباغ التي اغتالها نفس النظام. 

يفقد صوته إثر التظاهر أمام سفارة المملكة العربية السعودية تضامنًا مع رائف بدوي، وتنديدًا بإعدام نمر النمر، متجاهلًا ريحانة الجباري التي قتلت دفاعًا عن نفسها مقابل ضابط المخابرات الذي حاول اغتصابها، فأدانتها إيران بتهمة القتل وأعدمتها في ربيعها السادس والعشرين بما لم تقترفه يداها.

ذاك التاجر نفسه يتحدث عن كونية حقوق الإنسان ويدافع بشراسة عن حقوق الأقليات وعلى رأسها قضية المثلية الجنسية، ولا يسمع له صوت عند إبادة المئات من الروهينجا في بورما، ثم إن حسه الحقوقي العالي يجعله مناصرًا لناشطة نسوية كشفت عن صدرها أمام الملأ، دفاعًا عن حقوق المرأة المضطهدة باسم الأديان بدعوى حريتها الشخصية، فيما ينادي بإقالة مضيفة طيران ارتأت باسم ذات الحرية الشخصية أن تضع حجابًا على شعرها.

وفي نهاية كل هذا، ترتدي يا صديقي كوفيتك الفلسطينية في يوم الأرض، و"تدبك" على أنغام "علي الكوفية"، لاعنًا الصهيونية والإمبريالية، بئس البيع وبئس التجارة صديقي "الحقوقي".

اقرأ/ي أيضًا:

مفوضية حقوق الإنسان في العراق!

حقوق الإنسان الغريقة في المتوسط