17-أكتوبر-2015

الفعل الجنسي خارج إطاره الحاكم معيب (Getty)

الكلام في الجنس هو أحد الملذات الخاصة في مصر، هو الموضوع الرئيس في أحاديث المقاهي، هو الركيزة الأساسية للنكتة المصرية طوال عقود. الكلام في الجنس بما هو واحد من مظاهر "الجنسانية" أي الخصائص الاجتماعية والثقافية بكل تداخلاتها النفسية والبيولوجية والتاريخية كذلك.

وعلى قدر شيوع الكلام في الجنس تأتي تناقضات وجوده في الثقافة الشعبية، فهو مدخل للتباهي الذكوري وأحد أهم تبدياته السلطوية، في حين أن الفعل الجنسي خارج إطاره الحاكم معيب، ليس إطاره الديني هو الأكثر هيمنة بقدر العرف الاجتماعي. وعليه، كيف يمكن لشركة ذات مصالح في كسب سوق بمصر الترويج لمنتج جنسي؟ واق ذكري أو مرطب؟ وهي في قلب أكثر مواضيعها هوسًا وحساسية كذلك؟ هنا تلعب اللغة دورها في العمل الدعائي، باستخدام حيلها البلاغية من مجاز وتورية، والصورة بما هي امتداد للفضاء اللغوي المجازي. لتكون النكتة أو "الإفيه" هي نقطة الانطلاق للانتشار الافتراضي الواسع للصفحة، أليست النكتة حيلة بلاغية؟

تقدم ديوريكس مصر له مادة ترويجية شديدة الذكاء، معتمدة على التلميح الفكاهي، المجاز بوصفه لعبة "غميضة" بين طرفين يعرفان جيدًا أن الكلام المباشر سيكون له أثر سلبي، الكلام في الجنس في العربية لغة وثقافة هو ابن المتواري، فجذر "النيك" ذو أثر فج على مستمعيه/مستخدميه، قسوة مباشرته تصلح للكتب العلمية أو الفقهية مثل الكتاب الشهير للإمام السيوطي "نواضر الأيك في معرفة النيك" فيما تم استبدال الجذر الواضح بآخر –أو آخرين- مثل الوطء المواقعة والجماع والمعاشرة كلها تحوم حول الفعل.

تقدم ديوريكس مصر  مادة ترويجية شديدة الذكاء معتمدة على التلميح الفكاهي

ومثله في الدارجة المصرية، لا تستخدم الكلمة الصريحة إلا في سياق الإهانة أو البذاءة المعلنة، وإلا فالمجازات العامية حلت محل الفعل وكلمته، ومثله كل الأفعال الجنسية وكل مايتعلق بها. ومن ثم فقد استفادت الصفحة على فيسبوك من هذا الميراث المجازي الهائل في الترويج لبضاعتها، بضاعة الجنس بلغة الجنس، هكذا يتحول الانتصاب إلى "دبابة"، وسرعة القذف إلى "مخالفة سرعة" وهكذا، ورغم أن "المعنى" في كل الأحوال واضح، لكن ذكاء الصفحة في قدرتها على استخدام هذا المجاز فصارت موادها حدثًا فيسبوكيًا كبيرًا "ماذا ستقول الصفحة؟"، هكذا تحولت الصفحة إلى منجم رموز فرويدية.

التفاعل كذلك في التعليقات كان على نفس المستوى المجازي المضحك، القدرة على استخدام الميراث اللغوي في الالتفاف حول ابتزاز المعلقين ومحاولات الاستدراج للمصارحة الكاملة، لعبة "غميضة" ملعوبة بذكاء التسويق التجاري بين طرفين أحدهما يبحث عن المكسب التجاري والآخر لا يقصد إلا اللعب.

على أن صفحة ديوريكس مصر، وقعت في محظور التصور الشعبي عن العلاقة الجنسية بما هي تفوق ذكوري وخضوع أنثوي، علاقة "الفاعل" المهيمن و"المفعول" المقموع، الصفحة ليست للترويج لبضاعة تلبية الرغبات الأنثوية، بل هي محاولة أخرى لترويج ما يعزز الهيمنة الذكورية "مش هتحسي بألم وقت الجماع" الأنثى بما هي طاقة تفريغ جنسية لا أكثر، المتعة كما تروجها الصفحة قدرة على الاستمرار وضبط المواعيد، الجنس بما هو أداة اجتماعية للأنثى "نوعدك جوزك مش هيبص لغيرك"، لا أفق بالصفحة للخيارات الأنثوية وفكرتها متعتها المستقلة عن متعة الرجل. بالإضافة إلى تشييء الأنثى وطرح مقاربات مادية لها، فالترويج لزيت تدليك تبيعه الشركة يأتي مخاطبا الرجل بالقول: "زي ما المكنة محتاج تزييت، شريكتك محتاجة"!

لكن الشركة تواجه ثقافة شعبية بأداوتها وعناصرها ولغتها من أجل الترويج لسلعتها، وإن عبر إعادة إنتاج هذه الثقافة على مستوى تسويقي إعلاني، والتناغم معها ومع تخيلاتها عن الجنس والعملية الجنسية، لذلك ربما لا تكون معنية كثيرًا بالحساسية الجندرية في العملية الجنسية ولا فكرة الجنسانية نفسها بتبدياتها السلطوية، لكنهم ناجحون في خلق حالة من الاهتمام والطرافة في كل الأحوال!

اقرأ/ي أيضًا:

السكس عرض وطلب أيضًا

الإكتئاب الهوسي.. الأمر ليس مزحة!