08-يوليو-2016

عاصم الباشا/ سوريا

حلمتُ ليلة البارحة بأنني عضو في تنظيم مسلّح. كنتُ أرتدي بدلة عسكرية متواضعة وأسير في مؤخرة مجموعة الكماة (لعلي أستخدم مفردة "الكماة" لعدم تأكدي من نوعية سلاحنا؛ هل كان بنادق أم سيوفاً؟ لستُ أدري!).

إخوتي الأربعة وأولاد المخيم كلهم هم أعضاء المجموعة. الرتل الطويل لا أعرف أوله من آخره، لكني استطعتُ رصد وجوه القريبين مني، لن أعدّد أسماءهم لأني إن فعلتُ سأنسى ما سأقوله الآن، فمن عادة الأسماء أنْ تأخذني إلى حكايات أصحابها، وبهذا سأنسى حكاية المنام.

كنا في الحارة، لكن الحارة لم تكن موجودةً كما هي، وكما نعرفها. كنا في الحارة قبل أن تكون حارة، بل لمّا كانت برية كبيرة، تتوسطها بحيرة. بالتأكيد ما من بحيرة على الإطلاق، لكنّي أصدق الأحلام، لا سيما حين ترفض أن تمشهد نفسها بأقل من أسلوب أيام الخلق الأولى، ثمة أحلام تريد أن تنافس روايات الله والتاريخ والجغرافيا. 

إذن... هكذا وبكل بساطة: لحارتنا ذاكرة بحيرة..! 
إذن.. علينا الآن ما كان على أسماكها أمس..!
*

الشِّعر أن تكون في طروادة، وليس جلوسكَ على الشّواطئ تتسقّط أخبار المحاربين.
الشّاعر من وقف بوجه هيكتور راكبًا أو راجلًا، أو هو هيكتور نفسه. الشاعر صاحب السّهم الذي أصاب عقب آخيل، أو هو آخيل نفسه.
القصيدة حياة من هزم الموت، ثم سخر من السيرينيات، ثم فقأ عين السكلوب، لا من عاش ليستبدل عماه بشلل ألسنة الأبطال العائدين لكي لا يجدوا ما يروونه، فقد سُرقت منهم الحكاية.
لكنْ حقاً ماذا لو لم تكن هناك طروادة أو إيثاكا، هيكتور أو آخيل أو أوديسيوس؟؟ ماذا لو أن هوميروس هو من فعل كل ذلك، ولأننا لم نجد له اسمًا سميّناه قصيدة؟
*

ثمة من يضع بابًا على ذلك الجدار، ومن ثم نافذة على الجدار المقابل، ثم يعلق شمسًا في السقف ويطلق أسراب طيور تغني، يهمس في أذني: هذا هو الصباح.
هو نفسه أيضًا من يطلي الأعلى بالأزرق، ويقول لي: هذه السماء. في مرات أخرى، يرش اللون على سواد السقف، ويصنع ليلةً مرصعة بالنجوم.

هل يمكن أن توقفوه؟ هل تستطيعون منعه من هذه الألعاب السخيفة؟
قولوا له إنني سعيد في صندوقي الذي بلا لون أو ضوء.. قولوا إنني لا أريد باباً أو نافذة، ولا أريد الخروج إلى النهار، فقط أريد إكمال موتي بسلام.
*

في مشهد من الفيلم الفلسطيني "سادة"، يتمنّى الفتى الأعمى أحمد لو أنّ هناك كاميراتٍ تعمل على الناطق كي يستطيع استخدامها، ثم يأخذ الكاميرا ويصوّر المخرج بيدٍ مترنّحة. أحمد يعرف أن لا جدوى مما يفعل، لكنه يقدّم وصفةً سديدةً نعرف من خلالها كيف يرى الأعمى.
ذلك هو الإيجاز الأبلغ لصورة عالمنا.

اقرأ/ي أيضًا:

البكالوريا كإنجازٍ يُعادل علم الصواريخ

قمرٌ في ليالي الغجر