02-سبتمبر-2017

خسارة داعش لنفوذه في سوريا والعراق لا تعني أنه خسر وجوده (أ.ف.ب)

لم يمر شهرين على تأسيس نواف البشير، مليشيا "مقاتلي العشائر" الموالية للنظام السوري، حتى كشف تقرير لموقع إيراني، فقدان المليشيا لمئات من عناصرها في هجوم معاكس نفذه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بريف الرقة الجنوبي، الأمر الذي يثير العديد من الأسئلة أهمها صحة التقارير التي تتحدث عن سرعة انهيار مواقع التنظيم.

خلال أقل من شهرين على تأسيسها، فقدت مليشيا موالية للنظام السوري مئات من عناصر في هجوم لداعش بريف الرقة

300 عنصر في عداد المفقودين

نشر موقع المرصد الإيراني، يوم الإثنين الماضي، أن داعش نفذ هجومًا معاكسًا على عدة بلدات جنوب نهر الفرات بريف الرقة الشرقي، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 60 عنصرًا حسب مصدر عسكري للموقع، فضلًا عن وجود نحو 300 عنصر، معظمهم من مقاتلي العشائر، فُقدَ الاتصال بهم. هذا وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد قال في خبر لاحق إن تفجيرات عنيفة هزت المنطقة، ناجمة عن تفجير مقاتلي داعش لأحزمتهم الناسفة.

اقرأ/ي أيضًا: قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل

وتشكلت مليشيا "مقاتلي العشائر" على يد نواف البشير، أحد مشايخ قبيلة البكارة، بعد أن نشرت قناة سما الفضائية شبه الرسمية، تقريرًا مصورًا يتحدث البشير خلاله من مطار دمشق الدولي. وعقب ذلك أشرف البشير على تأسيس المليشيا من أفرادٍ من القبائل العربية، على أن تكون ممولة إيرانيًا، ويُشرف على تدريبها قادة من مليشيا الحشد الشعبي.

ويأتي الهجوم الأخير لداعش في ظل انحسار نفوذه بعمق البادية بعد حصار قوات الأسد بالاشتراك مع مليشيا الدفاع الوطني، لمقاتلي التنظيم في ريف حماة الشرقي، وأصبح يفصلها بلدة أو اثنتين على دخول الحدود الإدارية لمدينة دير الزور، في الوقت الذي أعلنت فيه قوات سوريا الديموقراطية (قسد) سيطرتها على نحو 90% من أحياء المدينة القديمة في الرقة.

وليست المرة الأولى التي يخسر فيها النظام السوري مئات العناصر بالاشتباكات مع داعش، ففي نهاية آب/أغسطس 2014، قالت إحصائيات غير رسمية، إن النظام السوري خسر إبان اقتحام داعش لمطار الطبقة العسكري، ما يقدر بـ800 عنصر، حيثُ كان المطار ملاذ العناصر الفارة من الفرقة 17 واللواء 93 شمال الرقة. 

وخلال الفترة ما بين تموز/يوليو وآب/أغسطس 2014، وثّق المرصد السوري مقتل ثلاثة آلاف و163من عناصر قوات النظام السوري والمليشيات الداعمة له، علمًا بأنّ المواقع التي خسرها النظام في ريف الرقة لم تكن تضم أية عناصر أجنبية، وإنما اقتصرت على ضباطه ومجنديه الذين سيقوا للخدمة الإلزامية.

هل لا يزال داعش محافظًا على قوته العسكرية؟

رغم انحسار مناطق نفوذ داعش في العراق وسوريا، وخسارته لمئات المقاتلين، إلا أن المعارك أظهرت أنه لا يزال قادرًا على توجيه ضربات سريعة لكن خسائرها كبيرة، وكان من بينها عشرات الهجمات التي نفذتها خلاياه النائمة في مدن عراقية مختلفة بالتوازي مع انهيار خطوط دفاعه في مدينة الموصل العراقية، حيثُ أعاد استخدام نفس التكتيك في ريفي الرقة وحمص خلال الأيام الماضية.

وأظهر داعش قدرًة عالية على قيادة حرب العصابات في أكثر من مرة، من بينها ما حصل في مدينة تدمر عندما استعاد السيطرة عليها في آذار/مارس الماضي. وإذا كانت القوات المهاجمة لمقار داعش تملك غطاءً جويًا، فإنه في المقابل يملك انتحاريين يفجرون أحزمتهم الناسفة في القوات المهاجمة على الأرض، السبب الذي يؤخر أي عملية برية ضد مواقعه.

رغم انحسار مناطق نفوذه، إلا أن داعش لا يزال قادرًا كما يبدو على توجيه ضربات سريعة تتسبب في خسائر فادحة

كما أن داعش تبنى الهجمات الخمس التي ضربت خمسة مدن غربية مختلفة بين يومي 17 و19 آب/أغسطس المنصرم، وكان من بينها عملية الدهس التي نفذت في مدينة برشلونة قضى فيها ما يقرب من 13 سائحًا، فضلًا عن عشرات الجرحى المصابين، ما قد يُوضح الاستراتيجية التي يتبعها النظام متمثلةً في التركيز على تكثيف العمليات لإثارة الذعر، أيًا كانت أعداد الضحايا قليلة أم كثيرة، لتبدو أشبه بمحاولة يائسة للتذكير بما كان عليه من قوة تغنى بها في إصداراته المرئية.

اقرأ/ي أيضًا: هجمات برشلونة.. كيف يتحوّل الشخص العادي إلى إرهابي؟

ويقول تقرير لخبراء في الأمم المتحدة، إن "قتال داعش في الموصل، ومقاومته للآن، تثبت أن بنيته للقيادة والسيطرة لم تكسر بالكامل، وأن المجموعة تبقى تهديدًا عسكريًا مهمًا"، وإذا كان نفوذ التنظيم انحسر في سوريا والعراق فإنه بموازاة ذلك بات يملك أذرع في أفريقيا وأفغانستان وشرق آسيا، ويقدر عدد مقاتلي التنظيم داخل سوريا والعراق بـ20 ألف مقاتل، وأكثر من 12 ألف مقاتل في باقي مناطق نفوذه.

خريطة لأذرع داعش حول العالم (الأناضول)
خريطة لأذرع داعش حول العالم (الأناضول)

ما هدف التنظيم من هذه العمليات؟

يدرك داعش أن مدينة دير الزور تمثل الآن فرصته الأخيرة للنجاة، حيثُ بدأ الإعداد لها بتحصين مواقعه في ظل تواجد أهم قيادات الصف الأول، كما أنه أعلن النفير العام فيها لمن تتراوح أعمارهم ما بين 20 و30 عامًا، محذرًا من يتخلف بالتعرض "للمساءلة والمحاسبة والتعزيز، وسيحمل على النفير بشكل قسري".

ومثل هذه العمليات الخاطفة، التي تخلف أعدادًا كبيرة في القتلى؛ تحافظ على مظاهر سطوة داعش في مناطق سيطرته، كما أنه يهدف بها بعث رسائل للمدنيين القاطنين في مناطقه بأنه لا يزال محافظًا على نطاق نفوذه في ظل فرضه رقابة صارمة على استعمال الإنترنت، والاتصالات الخارجية.

وفي نفس الوقت، يستفيد التنظيم من هذه العمليات باستعراض قوته بين أنصاره في باقي البلدان، ليظهر نفسه أنه لا يزال يملك السيطرة على الأرض في مناطق نفوذه التي أعلن منها ما أسماها "دولة الخلافة". كما أنه استفاد كثيرًا من شبكة الإنترنت التي سمحت له بتجنيد عشرات العناصر، وتحويلهم لخلايا نائمة في مدنهم، فهو صار يعتمد على الهجمات الفردية، بعد هجوم بروكسل الدامي العام الفائت، وهذا العامل يساعده على الاستمرار رغم ما يتعرض من انهيارات متتالية.

العمليات الإرهابية الخاطفة التي تخلف أعدادًا كبيرة من القتلى، تمثل الآن وسيلةً دعائية لداعش

وكانت الشرطة الإسبانية بعد ساعات من حادثة الدهس التي تبناها داعش، قتلت خمسة أشخاص يرتدون أحزمة ناسفة، كما حدث انفجار في شقة بإحدى بلدات برشلونة أثناء تجميع قنبلة قتل فيها شخص واحد، يُعتقد أنه من اعضاء الخلية التي نفذت هجوم برشلونة، وقال التنظيم في بيان، إن "منفذي هجوم برشلونة نفذوه استجابة لدعوات استهداف دول التحالف"، ويتوقع أن التنظيم كان يرمي لتنفيذ هجوم واسع النطاق يخلف مئات الضحايا.

اقرأ/ي أيضًا: الدليل المختصر لفهم إستراتيجية داعش الإعلامية

وعليه فإن تنظيم داعش لا يزال يبدي مقاومًة عنيفة في مختلف مناطقه التي تشهد قصفًا جويًا عنيفًا، وعلى الرغم من خسارته أبرز القادة المؤسسين فإنه لا يزال قادرًا على تنفيذ هجمات إما في المناطق التي يُظن أنه يعاني فيها الهزائم، أو في المدن الغربية التي تكثف من عملياتها الاستخباراتية لمنع حدوث هجمات إرهابية على أراضيها، وفي كلا الأمرين يظهر أنه لا يزال يتمتع بنفوذ في مختلف مناطق انتشاره مما يساعده على تجنب الانهيار الكامل بما أن الهجمات الجوية تُركز على معاقله المنهارة في دول سوريا، العراق، وليبيا، بعيدًا عن أماكن انتشاره الجديدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا لن تنتهي "داعش" بعد الموصل؟

عامان على إعلان خلافتها.. داعش باقية وتنحسر