11-ديسمبر-2016

جنود روس خارجون من تدمر (Getty)

قبل ثمانية أشهر، كانت آخر معارك للنظام السوري في المنطقة الشرقية لسوريا والممتدة من ريف حمص الشرقي إلى الحدود العراقية، حين استعاد مدينة "تدمر" الأثرية، التي سيطرت عليها داعش قبل عام ونصف، وعلى نفس القدر من أهمية المدينة جاءت أهمية معاركها وأهمية الاحتفاء بنصرها كذلك، حين أقام النظام ليالي الفرح والموسيقى على مدرجها الروماني وأمام آثارها المدمرة والمسروقة.

تأتي عودة تنظيم داعش إلى تدمر في محاولة لرفع معنويات مقاتليه وأتباعه، خاصة بعد خسائرة المتتالية في العراق وسوريا هذا العام

أمّا اليوم فيبدو الأمرمغايرًا، حيث أعلنت جهات سوريّة معارضة عودة داعش إلى المدينة، هذا الخبر الذي بقى قيّد التنديد والإنكار من جهة النظام السوري ووسائل إعلامه، والخوف والترقب من جهات أخرى. حتى تأكد اليوم بشكل رسمي حين تم حشد أعداد من المقاتلين والتوجه بهم إلى مشارف مدينة تدمر، أمام كل هذا تبدو "حلب" البعيدة عن تدمر جغرافيًا قريبة منها بزمن الحدث والخبر.

اقرأ/ي أيضًا: الأمم المتحدة تفشل في إنقاذ حلب..وداعش تطوق تدمر

ولكن بعيدًا عن جبهات حلب ونازحيها ومنكوبيها تتصدر تدمر اليوم الأخبار السوريّة، فمنذ يومين والأنباء تتالى عن سيطرة داعش على حقول النفط والغاز في المدينة ودخولهم إليها من الجهة الشمالية الغريبة. كل تلك الأخبار السريعة لم تلقى إلاّ استمرارًا في إنكارالخيبة التي مُنيت بها القوات الحكومية والتي سارت إلى دحض أخبار دخول داعش إلى تدمر. فوكالة الأنباء "سانا"، التابعة للنظام، كانت قد نقلت عن مصدر عسكري سوري قوله إن وحدات الجيش السوري تصدت لمقاتلي "داعش" التي هاجمت نقاطًا عسكرية في محيط تدمر.

على جانب آخر من المشهد أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان على صفحته الرسمية "سيطرة داعش على مدينة تدمر بالكامل بالرغم من الغارات الروسية الكثيفة عليها". كما قالت وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم إن مدينة تدمر بالكامل أصبحت تحت سيطرة مقاتلي داعش.

إذًا، في الوقت الذي تتجه به الأنظار إلى حلب ووضعها الإنساني المتردي، يعود تنظيم داعش إلى الأضواء مجددًا من بوابة تدمر بعد أن خرج منها بداية هذا العام. العام الذي وصف بأنه كان الأقسى على مقاتلي داعش بعد خروجهم من الفلوجة والرمادي في العراق وانحساره في الدفاع عن الموصل ومحاربة لواء درع الفرات في شمال سوريا.

استغل تنظيم داعش انغماس النظام في معركة حلب، وقام بمهاجمة تدمر وهو يعلم أن النظام لن يخوض حربين في نفس الوقت

اقرأ/ي أيضًا: حلب..المعارضة تخسر ملحمتها الكبرى

بدأ داعش يخسر أراضيه هذا العام بالسرعة نفسها التي سيطر عليها قبل أعوام، بالإضافة لخسارته أهم قادته. وهكذا بدأ يخوض أشبه بمعارك استنزاف طويلة على الجبهات التي يحارب عليها، وتأتي عودة التنظيم إلى تدمر في محاولة لرفع معنويات مقاتليه وأتباعه على امتداد هذه الجغرافيا. بالإضافة لفائدته الكبرى عند السيطرة على آبار النفط والغاز التي تكثر في المناطق الشرقية من سوريا، واستيلائه على البيوت والمقتنيات وكل ما قد يعود عليه بالفائدة، هناك حيث سوريا المفيدة التي صارت عرضة للنهب والاستيلاء.

في حين يعتبر هذا الهجوم على مدينة تدمر من قبل التنظيم، واحدَا من أحداث محلية متتالية لشغل الرأي العام العالمي نظرًا لأهمية مدينة تدمر الأثرية والتاريخية من جهة، وتغيير اتجاه الرؤية عن مصير 150 ألف مدني في حلب يواجهون مصيرًا غامضًا في الأيام القادمة في حال سيطرة قوات النظام على الأجزاء المتبقية من حلب الشرقية.

ونظرا لما يشكله أي انتصار أو ظهور جديد للتنظيم من مخاوف عالمية ومحلية، يقول مراقبون أن النظام قد سمح لداعش بالسيطرة على المدينة ليشغل الأنظار عن حلب، بينما يرى آخرون أن  تنظيم داعش استغل بذكاء انغماس النظام والميليشيات الطائفية الداعمة له في معركة حلب، وقام التنظيم بمهاجمة تدمر، وهو يعلم أن النظام لن يكون قادرًا على دخول حرب شرسة في مدينتين في نفس الوقت، وأنه سيجبر على ترك المدينة الأقل أهمية، ووهو ما حدث فعلًا بانسحاب النظام من تدمر، واستمراره في معركة حلب.

ورغم أن اختيار النظام، ومن ورائه روسيا، الاستمرار في معركة حلب، بدلًا من الدفاع عن تدمر ضد داعش، قد يوجه انتقادات دولية له ولروسيا بخصوص جديتهم في محاربة داعش على حساب محاربة المعارضين السوريين، إلا أن النظام يبدو أنه قد اعتاد على تلك الانتقادات التي لا تغير من واقع الأمر شيئًا من جهة، ومن جهة أخرى، يرى أن انتصاره في حلب هدف استراتيجي لا يمكن الحياد عنه، ولو على حساب خسارة مدينة مهمة، يرى أنه سيتمكن من استعادتها بعد حين، ليعيد بكاريكاتورية مقيتة مكررة مسرحية التقدم على الإرهاب، لكن باخماد صوت حلب المحترقة هذه المرة عوضًا عن نسف سجن تدمر وتخفيف عبء تبرير ما اختفى من قرائن لجرائم موصوفة عن كاهل النظام.

اقرأ/ي أيضًا: 

حلب..معركة الأرض المحروقة

جحيم حلب..على نار المفاوضات الروسية