30-أغسطس-2016

وأخيرًا وصلت اللحظة التي انتظرها الملايين من اللبنانيين الذين اعتبروا ومازالوا يعتبرون أن "ميشال عون" هو ليس مجرم حرب فحسب، بل متوحشًا، غير موزون وبالطبع لا يصلح أبدًا ليكون حاملًا لمنصب سياسي كحلمه بأن يصبح رئيسًا للجمهورية اللبنانية. وبعد سنتين على الفراغ الرئاسي، والتطورات السياسية اللبنانية نحو الأسوأ. لم يعد موضوع الرئاسة الموضوع الأهم في لبنان. بعد أن بدأ الشعب بالموت بسبب النفايات، تراجع الاكتراث بالنشرة الحزبية اليومية في لبنان. ولكن بعض الغصّات تصبح كالبحار التي تبتلع الشواطئ.

قامت صفحة على موقع فيسبوك بعنوان "جيل عون Aoun Generation" بنشر فيديو تشجيعي للشباب للانتساب إلى التيار الوطني الحرّ. الوضع طبيعي حتى يظهر جميع من يشجعون المُشاهد على الانتساب إلى التيار الوطني الحرّ. أطفال لم تتوفر لهم الحياة الكافية للتعرف على مصطلح "سياسة". أشخاصٌ بدلوا أسنانهم منذ أقل من 5 سنوات. أحلامهم الكبرى تكمن بالدخول إلى جامعة محترمة للتعلم والحلم بحياة مستقلة وجميلة. أولاد مدارس يُطالبون الشعب بالانتساب إلى تيار سياسي يرأسه جنرال سابق في الجيش اللبناني والمعروف بأنه الرجل الأمني الأول الذي يهرب من بلاده ويترك جيشه يُقتل، ثم وبكل وقاحة بعد 15 سنة يعود ليُطالب بمنصبه الرئاسي. أليس هذا الفعل جريمة نكراء أيضًا؟

"ميشال عون" هو ليس مجرم حرب فحسب، بل كائنًا متوحشًا، فاقد العقل، غير موزون وبالطبع لا يصلح أبدًا ليكون حاملًا لمنصب سياسي كحلمه بأن يصبح رئيسًا للجمهورية اللبنانية

اقرأ/ي أيضًا: صيدا لن ترقص؟

مشهدية بشعة ومصطنعة وغير إنسانية. بأي حق يُجبر شبان لم تنبت لحياتهم وبنات تتراوح أعمارهن بين الـ14 و16 عامًا بحفظ نص تافه يدعو الجيل الجديد للانتساب إلى تيارٍ ادعى الوطنية والحرية ولم يطبق شيئًا منها في وزاراته خلال العشر سنوات الماضية. "جيل عون" أي فريق الممثلين يدعون إلى إنقاذ الجمهورية اللبنانية عبر انتخاب "الجنرال العماد" ميشال عون. وكأن شيئًا ما يقول لنا: "وضعكم صعب. ما زلتم تحبون الجزمة".

هذا العمل يُحاسب عليه ويُشتم ليس فقط ميشال عون ونهجه السياسي، بل كل من كان مُعارضًا ومواليًا له أيضًا في هذا الانتحار الجماعي الذي قد يكون الفيديو نفسه لكن من جهة أخرى. فقد فعلها حزب الله قبل ذلك مئات المرات من خلال برامج الأطفال على قناة المنار. وفعلها تيار المستقبل عندما أجبر إحدى الأطفال بغناء: "مين قتلك مين؟" لروح رفيق الحريري. وفعلتها كل تلك الطبقة السياسية قبل عون للوصول إلى ما نعيشه اليوم.

جزمة تلو جزمة لنسقط بسلام. جزمة تلو جزمة، الحرب مستمرة علينا. لم تعد مشكلتنا السلطة، بل أصبحت مشكلتنا بأن الجيل الجديد يؤمن بالسلطة الحالية. التكرار لم يُعلِّم الشطار في لبنان. نحاول ابتلاع الرمل في المياه التي نشربها، والاقتراب من النجاح قبل المعركة بسبب تلك السلطة، وأطفالٌ أشفق عليهم يُعدمون بالتيار الوطني الحرّ قبل أن يتمكنوا من اختيار مصير حياتهم/ن.

أذكر يوم كان والدي أحد من حملوا الرابع عشر من آذار على أكتافهم وحلموا بما طُرح أمامهم من حلول لحياةٍ كريمة وحرّة وأفضل. وأذكر يوم كانت أمي تحمل راية حزب الله والتحرير وتُجبرني على الإيمان بما هو من أرض مقدسة يحررها حزب الله. وأسمع عن يوم جدتي أغلقت أبواب المنزل تحسبًا من أي ميليشياوي يتطفل على خصوصية المنازل. ومن كان هذا الميليشياوي؟ مهما كان ولا فرق بهويته ما دام يُقاتل من أجل بقاء جزمته في رجله.

آمنوا بالحزب والحرب والسياسة والحياة الأفضل. رحلوا، ماتوا، دمروا، قُتلوا، جُرحوا، خطفوا، وعاشوا الذل ولم يتعلموا شيئًا قبلنا. والنتيجة أن ما زالت الحرب مستمرة بألوانها السابقة لكن بطرق أكثر عصرية وأقسى. لم يتغير شيء، ووضعنا يستحق دمعةً وشمعةً وكل ما يمكنه أن يحسسنا بالأمل. لا تأخذوا الأمل. هو الكذبة التي تتركنا على قيد الحياة.

اقرأ/ي أيضًا:

الحراك اللبناني بعد سنة.. أين المسيِّل للدموع؟

لبنان..هل أصبح "المستقبل" من الماضي؟