18-أغسطس-2015

العالم المغربي الشاب جواد الخراز(الترا صوت)

مبتكر المعادلات الرياضية الجديدة لتحديد المعطيات البيوفيزيائية من حرارة سطح الأرض، مؤسس وأمين عام جمعية "العالم العربي للعلماء الشباب/ ‫عرب‫-‬ وايز". عضو فريق "العلوم والتكنولوجيا" في اجتماعات الأمم المتحدة حول الحد من مخاطر الكوارث. شارك في تقرير اليونسكو للعلوم بما يخص أنشطة البحث العلمي في دول المغرب العربي.

تم اعتماد لوغاريتم الخراز لتحديد درجة حرارة سطح الأرض من طرف العديد من الباحثين في العالم 

هو العالم المغربي الشابّ جواد الخراز، حاصل على الدكتوراة في الفيزياء تخصص علوم الاستشعار الفضائي عن بعد، والباحث العلمي في مجال تحليل صور الأقمار الصناعية لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، يشارك في كبريات المشاريع البحثية، وينشر العديد من المنشورات العلمية، ويرأس العديد من المهام.

تطوّرت الرّياضيات بشكل كبير، سنة بعد سنة، حتى أننا أصبحنا اليوم في عصر الرياضيّات النّظرية التي تبتكر ما يتخطّى الواقع الفيزيائي. هل تطوّرت قوانين الطبيعة مثلما تطوّرت قوانين الرياضيات؟

الطبيعة هي هي، لا تتطور بالمفهوم الحرفي للكلمة، لأن قواعدها موجودة منذ الأزل، وبعضها ربما في تطور مستمر، لكن وفقًا لقواعد أو منطق نحاول أن نجعله رياضيًا كي نفهم كنهه بشكل أقل من قوانين الرياضيات، لأن الرياضيات ترتكز على مفاهيم وفرضيات مجردة، بينما ترتكز قواعد الطبيعة على قوانين اكتشفها العلماء وما فتئت تتغير كل قرنين أو أقل من الزمان، لأنها تعتمد على مئات، إن لم أقل آلاف، المعادلات الرياضية والمفاهيم الفيزيائية التي تطورت عبر الزمان، وفقًا لتعاقب الحضارات الإنسانية التي ساهم تراكمها في تطورها الذي نلمس نتائجه اليوم.

فألبرت أينشتاين، على سبيل المثال، كان رياضيًا قبل أن يكون فيزيائيًا، وأدق شرح للعلاقة الدقيقة بين الرياضيات والفيزياء هو ما جاء على لسانه "إنني مقتنع بأن البناء الرياضي المحض يمكننا من اكتشاف المفاهيم والقوانين التي تصل بينها والتي تعطينا مفتاح فهم الظواهر الطبيعية. ويمكن للتجربة، بطبيعة الحال، أن تقودنا في اختيارنا المفاهيم الرياضية التي ينبغي أن نستعملها، غير أنه لا يمكن أن تكون المصدر الذي تنبع منه هذه المفاهيم. ولئن ظلت التجربة مقياس المنفعة الوحيد لبناء رياضي ما في الفيزياء، فإن المبدأ الخلاق بحق يكمن في الرياضيات. يصح عندي إذًا، على نحو ما، أن الفكر المحض قادر على فهم الواقع، وذلك ما كان القدامى يحلمون به". 

تشغل حاليًا منصب الأمين العام لـ"جمعية العالم العربي للعلماء الشّباب/ عرب - وايز". حدّثنا عن مجالات اشتغالها، وما مدى مساهماتها في صالح العلم والعلماء الشباب في الوطن العربي؟ 

فكرة التأسيس راودتني برفقة باحث مصري وباحثة تونسية عام 2010، أبدينا في لقاءاتنا الرغبة في إنشاء جمعية أو أكاديمية تجمع الطاقات العلمية التي تخدم العلماء العرب، ويمكن الاستفادة من خبراتها وتوجيهها ومساعدتها في بحوثها في الحصول على فرص عمل أو مشاريع تعاون مع جهات علمية وأكاديمية، داخل وخارج الوطن العربي.

كان أول نشاط لنا هو تنظيم مؤتمر في برلين في حزيران/ يونيو 2011، بالتعاون مع "الأكاديمية الألمانية للشباب". أعقبه تعاون مع مؤسسات دولية عدة كالأكاديمية الأمريكية للعلوم، ومؤسسة هامبولت الألمانية والإسيسكو والمنظمة العربية لشبكات البحث العلمي والتعليم وغيرها.

كما نظمنا، بالتعاون مع جمعية ممنوحي هامبولت في المغرب العربي، مؤتمرًا دوليًا في مراكش في آذار/مارس 2012، تم خلاله تدارس البحوث في مجالات التغيرات المناخية والطاقات المتجددة، وتكنولوجيا النانو وغيرها. 

"عرب-وايز" تساهم في التأثير إيجابيًا على العلماء والباحثين الشباب في الوطن العربي من خلال تحفيزهم، وتقديم نماذج مشرفة من العلماء العرب الشباب الذي برزوا وأبدعوا في أحد الميادين العلمية، وبخلق ثقافة المشاركة بالمعلومات والمعرفة بشكل يخدم الجميع. 

تفرّغت خلال مرحلة الدكتوراة للبحث العلمي في مجال تحليل صور الأقمار الصناعيّة لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، وكذلك التابعة لوكالة الفضاء الأوروبي "إيسا". وكذلك في استخراج المعطيات والبيانات الفيزيائية وابتكار اللوغاريتمات المناسبة لتطبيقات في الزراعة وغيرها. ما الذي أضافته إليك تلك التجربة؟

تعلمت الكثير من المهارات، واكتسبت الكثير من المعارف في مجال الاستشعار الفضائي عن بعد، وأتيحت لي فرص عمل خاصّة مثل "وكالة الفضاء الأوروبية" و"المجلس الأعلى الأسباني للأبحاث العلمية". 

اشتغلت بشكل خاص في مجال تطوير اللوغاريتمات، الأنسب والأدقّ، لتحديد درجة حرارة سطح الأرض وكمية بخار الماء في الهواء ونظام المؤشر النباتي للفرق الطبيعي باستخدام المجسّ "المستشعر" المركّب على القمر الصناعي.

اللوغاريتم الذي طورته في "وكالة الفضاء الأمريكية ناسا/ موديس" كان الأول من نوعه، على الرغم من نشر فريق "موديس" في لوغاريتم مواز عام، إلا أن اللوغاريتم الذي طورته تميز بتأقلمه مع مناطق ذات نسبة انبعاث مختلفة وتحت أجواء مختلفة في خاصيات الهواء، وبرهن على نجاعته في حقول في نواحي ألباسيطي الإسبانية، وتنسيفت الحوز المغربية، وحتى في منطقة سودانكيلا في إقليم لابلاند الفنلندي حيث شاركت هناك مع فريق عملي الإسباني بقياسات ميدانية، في إطار مشروع الوكالة الفضائية الأوروبية 2002، لفهم العلاقة بين انبعاثات وامتصاص الغابات الشمالية لثاني أوكسيد الكربون والتغيرات المناخية. 

صار فريق عملنا "أو سي خي"، في جامعة بلنسية الإسبانية، من ألمع الفرق العلمية في مجال تطوير اللوغاريتمات في مجالات الأشعة تحت الحمراء للبيانات البيوفيزيائية. من جهة أخرى كنت سباقًا في فريقي لابتكار حساب نسبة بخار الماء في المجالات المرئية لموديس، وتم اعتماد لوغاريتمي لتحديد درجة حرارة سطح الأرض من طرف العديد من الباحثين في العالم ولا زالت تصلني مقالات علمية تستدل به إلى الآن، خاصة وأن بيانات موديس الآن صارت متوفرة منذ بداية هذه الألفية و بدأت تعوض بيانات القمر الصناعي نووا.

 

جامعاتنا المغربية متأخرة دوليًّا في مجال البحث العلميّ، فهل هناك أمل لمغرب علميّ؟

الخراز: هناك ضرورة حتمية لإصلاح قطاع التعليم في المغرب

المغرب يحتل وسط الترتيب في الترتيب العالمي لتقرير التنافسية العالمية 2014- 2015 من حيث جودة الرياضيات وتعليم العلوم. بالمقابل يحتل مرتبة متدنية من حيث القدرة على الابتكار، ومرتبة محترمة من حيث توافر العلماء الباحثين والمهندسين، وهو أفضل من جيرانه في بعض المجالات، ولكنه يحتاج إلى مضاعفة جهوده لتحسين قطاع البحث العلمي والابتكار، وتعزيز الروابط بين الأعمال العلمية البحثية والصناعية. 

هناك مغرب علمي، لكنه لا يزال ضميرًا مستترًا وجب إبرازه من خلال خطة إصلاح شاملة لقطاع البحث العلمي، ومن خلال استراتيجية ورؤيا استشرافية للمستقبل. يجب غرس ثقافة علمية رصينة في الأجيال الصاعدة منذ سلك الابتدائي، ومن ثم هناك ضرورة حتمية لإصلاح قطاع التعليم، ولا بد من ضخ البرامح التعليمية بثقافة علمية متيسرة أهم وأكثر فعالية، لتحسين مردود هذا التعليم، أما اللغة التي يتم بها إيصال المعرفة فتبقى مجرد أداة. إسرائيل وكوريا الجنوبية تحتلان المراكز الأولى عالميًا في البحث العلمي والابتكار معتمدتين على لغتيهما المحليتين، لكن بالمقابل تنعمان بنظام تعليمي يشجع على الابتكار وينفّر من النقل والحفظ الآلي دون فهم، ويعتمد على أساليب تربوية تشجّع على العلم والشغف به منذ مراحل التعليم الأولى. 

ما أهم أبحاثك العلميّة، وإلى أيّ حدّ هي مفيدة وعمليّة للمغرب وللعالم العربي؟

حاليًا أشتغل على مشاريع متعلقة بأنظمة المعلومات الوطنية في مجال المياه، وهي ذات أهمية حيوية لقطاع المياه في بلادنا والعالم العربي على حد سواء، في ظل شح المياه ودور مثل هذه الأنظمة في مساعدة أصحاب القرار على اتخاذ القرارت المناسبة والحكيمة لإدارة مستدامة للموارد المائية. كما أشارك في مشاريع لتحسين فعالية استخدام الطاقة والمياه في الزراعة ونقوم بتجارب في هذا النطاق في مناطق مختلفة من العالم.

أين وصل مشروعك الخاص بكفاءة استخدام المياه في النباتات الطبيعية والمناطق الزراعية بواسطة الاستشعار عن بعد في حوض البحر الأبيض المتوسط؟

كان أُنجز ما بين سنتي 2000 و2003، وأعطى مجموعة من النتائج الخاصة بتحديد المناطق الهشة المعرضة للتصحر، ومعطيات بيوفيزيائية مكنت من فهم ديناميكية الغطاء النباتي في المنطقة المتوسطي، وإبراز قدرة تقنيات الاستشعار الفضائي على مد المهتمين بالبيانات التي قد تساعدهم في اتخاذ الإجراءة الكفيلة بالحد من التصحر، أو سقي مزروعاتهم بشكل فعال دون إهدار للمياه. المشروع كان ناجحًا في شقّيه المغربي والإسباني، ولم يكن كذلك في شقه المصري، بسبب وفاة شريك المشروع هناك قبل نهايته، ولم نستطع القيام بالقياسات الميدانية التي كانت مرتقبة في منطقة العريش بسيناء.

هل تتوقع من جمعية "العالم العربي للعلماء الشباب/ ‫عرب‫-‬ وايز" أن تدفع عجلة البحث العلمي في المغرب والبلدان العربية؟

لكي أكون موضوعيًا وعمليًا، لا يمكن للجمعية أن تقوم بالمهام المنوطة بالجهات الحكومية زارات التعليم العالي وهيئات البحث العلمي ومراكز البحث والجامعات. غير أنها نجحت في تعبئة آلاف الباحثين الشباب العرب، والتعريف بمجالات اختصاصاتهم، وإطلاعهم على كل ما يجري في العالم من آخر البحوث العلمية وفرص المنح والمشاريع، والتعريف بالنوابغ منهم لتحفيز وتشجيع الآخرين للحذو حذوهم، وكل هذا كفيل بالرفع من مستوى أدائهم وبالتالي مردود البحث العلمي في المغرب والدول العربية.


علماء مغاربة في المهاجر

هناك عدد كبير من العلماء المغاربة موزعون في المنافي مثل رشيد يزمي، مبتكر بطاريات الليثيوم، والفائز بجائزة تشارلز درابر الذائعة الصيت، المقابلة لنوبل في الهندسة. وحسن بلعربي الكيميائي المعروف في الأوساط العلمية من جامعة ألمرية الإسبانية. والمهندس المغربي المتألق في "ناسا" كمال الودغيري، الذي ساهم في نجاح هبوط مركبة كيروسيتي على المريخ. والدكتور رشيد الكراوي المتخصص في تكنولوجيا المعلومات في سويسرا، ونادية العسري الخبيرة في المنظمة العالمية للصحة في جنيف، والدكتور جمال العسري في المملكة العربي السعودية، وزينب مولين في اليابان، والمهندس هشام عزوز في هونغ كونغ، والدكتور عبد الغني الشهبوني المسؤول عن المعهد الفرنسي للبحث والتنمية في تونس، والدكتور نور الدين دريوش في باري الإيطالية، والدكتور حمو العمراني بفي ألمانيا، ومحمد بزا في الفاو بروما، ووديع أيت حمزة أحد ألمع الأسماء المغربية في المنتدى الاقتصادي العالمي.

اقرأ/ي: أيضًا: المعلم جبران.. رسول الحياة في البترون