31-يناير-2016

أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات عند وصولهم إلى جينف (Getty)

لن نذهب إلى جنيف، سنذهب إذا وجهت لنا دعوة بذلك، لن نذهب مطلقًا، بل سنذهب ولكن ليس للتفاوض. هذه ليست كلمات صبي يهذي بشأن سياسي، بل تصريحات رياض حجاب وزملائه من الهيئة العليا للمفاوضات التي تشكَلت في السعودية مؤخرًا بشأن حضور مؤتمر جنيف 3 الذي كان مقررًا عقده في 25 من الشهر الحالي، إلا أنه تم تأجيل الموعد نظرًا لحجم الخلافات التي تهيمن على موضوعاته وترتيب أولوياتها عند اللاعبين في الكارثة السورية.

 الخلاف الرئيسي في كل ما يحدث يتصل بالسبب الأساسي الذي قامت من أجله الثورة: رحيل الأسد

بداية أود توضيح نقطة مرجعية تخص تناقض تصريحات المعارضة السورية بخصوص المشاركة من عدمها، ويكمن السبب في ذلك إلى عدة نقاط منها تشرذم المعارضة وتعدد اصطفافاتها، وغياب الأجندة السياسية لدى المعارضة، ووجود فصائل المعارضة المسلحة ذات التوجه الإسلامي التي ترفض خيار الدولة المدنية، ناهيك عن السبب الأهم وهو سيطرة الرياض ونفوذها الطاغي على شخصيات الهيئة العليا، وهو ما يترجم فعليًا بالقبول تارة، وبالرفض تارة أخرى. محصلة القول إن المعارضة السورية التي تنطوي تحت مسمى ما بات يعرف الآن بالهيئة العليا للتفاوض لا تمتلك من الأمر شيئًا، وإنما تخضع لضغوط السعوديين ورغباتهم.

بعيدًا عن موقف المعارضة يبدو أن الأمريكيين قد حزموا أمرهم بالتخلي عن السعوديين وحلفائهم بالمنطقة، وذلك بالتنسيق المستمر مع الروس والإيرانيين، الذي أثمر للآن بتغليب موقف واشنطن الداعي إلى حل سياسي دون شروط مسبقة وعدم حسم مصير الأسد، فها هو كيري يهدد المعارضة بوقف الدعم والتنسيق إن لم تستجب لإملاءات الإدارة الأمريكية، وها هو الطيران الروسي يقصف جميع الاتجاهات في الداخل السوري ولا يبدو أن أحدًا يستطيع القول لهم لماذا أو كفى.

وبالعودة إلى دهاليز جنيف التي يبدو أنه لن يكتب لها النجاح، فالقصة ليست كما تظهر فقط، بأن الروس رفضوا رئيس الوفد المفوض محمد علوش، وأن المعارضة كذلك رفضت إدخال طرف ثالث بالمفاوضات بمن يسموا بالمعارضة التي تلقى الدعم الروسي، ويقصد بها هيثم مناع وقدري جميل وصالح مسلم، بل إن الاختلاف يتعدى ذلك ليصل إلى الموضوع الرئيسي الذي قامت من أجله الثورة وهو مصير رحيل الأسد الذي لا تبدي كل الأطراف له بالاً، باستثناء بعض أطراف المعارضة.

لاشك أن الأوروبيين هم أكثر الدول التي تكافح لحل الأزمة السورية التي بات مهاجروها يشكلون الخطر الأكبر والأوحد على بلدان القارة العجوز حسب قولهم، إلا أن الأمريكيين والروس ليس لديهم أدنى مشكلة بذلك الأمر، فلا مهاجرين يصلون إليهم بمئات الآلاف، ولا خطر من حملة فكر التكفير الذين يمكن أن يندسوا بينهم، ولذلك تجد الفرنسيين والألمان والإنجليز مهتمين جدًا بضرورة إنجاح جنيف الذي سيفتح آفاق العملية السياسية السورية، وبالتالي إيجاد حل نهائي لمسألة اللاجئين.

عمليًا على الأرض يواصل النظام السوري وحلفاؤه كسب المزيد من المدن والبلدات بدعم روسي ومباركة أمريكية خجولة، حيث أحكم النظام قبضته على الشيخ مسكين وبلدة سلمى، وغيرهما من المدن في ريف حمص وحماة وحلب وإدلب، مما يدعم نظرية وجوب الرضوخ لحلول الولايات المتحدة وروسيا والقبول بها سوريًا.

الأوروبيون هم أكثر من يكافح لحل الأزمة السورية التي بات مهاجروها يشكلون الخطر الأكبر والأوحد على بلدانهم

التصريح الأخير الذي أدلى به رياض حجاب كان واضحًا، إن وفد المعارضة سيذهب إلى جنيف لكن لن يتفاوض مع أحد، وسيتلخص تواجدها بدعم عملية سياسية تفضي إلى تطبيق قرار مجلس 2254 وتحديدًا الفقرة 12 و13 اللتين تنصان على إنهاء الحصار وإيصال المساعدات لهم، ووقف القصف العشوائي على البلدات والمدن السورية، لكن هل يا ترى ستستطيع المعارضة البقاء دون الانخراط في التفاوض؟ ولماذا أتى وفد النظام بكامل أركانه إذًا برئاسة بشار الجعفري باكرًا؟

كنت قد قلت في مقال سابق إن خيارات الرياض باتت محدودة في الأزمة السورية، وإنها حتمًا سوف تتبع أجندة الولايات المتحدة، وهذا ما اتضح من موافقة الهيئة العليا على حضور المؤتمر بعد الرفض القاطع للمشاركة فيه، فهل ستواصل السعودية مسلسل التنازلات وتضغط مجددًا على وفد المعارضة للانخراط في المحادثات مع النظام؟ وماذا سيكون رد المعارضة على ذلك؟ أظن أن الرياض ستتجه إلى ذلك.

نهايةً سنسأل أيضًا: هل ستنجح مخططات الدول الكبرى في احتواء الأزمة ووأد الثورة بعملية سياسية أقل ما يمكن أن يقال في حقها إنها مشوهة؟ هل سيبقى الأسد ضمن دائرة الحكم بعد الهيئة الانتقالية للحكم؟ وماذا عن التنظيمات الإسلامية مثل أحرار الشام وجيش الإسلام ومصيرها، وكيف سيتم التعامل مع القواعد الروسية وحزب الله والحرس الثوري؟ لعل قائمة فشل مثل هذه المؤتمرات تطول.

اقرأ/ي أيضًا:

بين إنذار غورو وإنذار كيري.. مفاوضات الدم

هدير الحلم السوري.. الانفتاح على الآخر