23-مايو-2016

خلال الثورة التونسية 2011

منذ 17 كانون الأول/ديسمبر إلى حدود 14 كانون الثاني/يناير، كان الحراك الثوري في تونس أبعد من مؤسس لتغيير سياسي سلمي، ذلك أنه أحدث القطيعة مع الديمقراطية الزائفة التي أوهم بها النظام السابق حلفاءه، وهدف الحراك الثوري إلى سحق النظام القديم بشكل نهائي بغية بناء نظام جديد يقوم على أنقاضه.

كان الحراك الثوري في تونس أبعد من مؤسس لتغيير سياسي سلمي، ذلك أنه أحدث القطيعة مع الديمقراطية الزائفة

لكن مرحلة "14 جانفي" وما بعدها دفعت بذلك المسار من الفعل الثوري إلى فعل سياسي يراهن على مقتضيات لعبة الشطرنج ومتطلباتها، ما أوقع الثورة التونسية في عديد من الإشكالات، وهو ما يقتضي مساءلة المشهد الديمقراطي الذي تمرّ به الآن، ورهاناته الإيجابية بتسليط الضوء على جلّ المصاعب التي مرّ بها.

اقرأ/ي أيضًا: الممانعون وتطبيلهم

الحراك التونسي.. من الثوري إلى السياسي 

شهد الواقع السياسي التونسي تفجرًا إذ تكاثرت الأحزاب وتشتّت، ما خلق نوعًا من الإسهال التنظيمي على عكس المشهد ما قبل "14 جانفي"، إذ كان الحزب الحاكم يقود المشهد السياسي محيطًا به معارضة كرتونية مقصيًا المعارضة الراديكالية في الوقت ذاته، والتي خاضت جملة من النضالات والتحرّكات مستغلة في ذلك تردّي الأوضاع السياسية والاجتماعية، خاصة أحداث الحوض المنجمي 2008، فطالبت بالديمقراطية والتعددية كأعلى سقف لطموحاتها السياسية ولم تجعل المطالب الاجتماعية أولّ اهتماماتها، إلا من حيث الدعاية في وسائل الإعلام والأوساط الخارجية، وهو ما جعلها بعد رحيل النظام السابق عاجزة عن إدارة المرحلة الانتقالية، رغم أنها لعبت دورًا هامًا في معركة الاستبداد، ويرجع ذلك إلى عدم خبرتها في إدارة شؤون الدولة، خاصة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي الذي يعدّ السبب الأول لاندلاع مسار 17 كانون الأول/ديسمبر.

ولعلّ صعوبة تملّك القيم الديمقراطية التي كانت تنادي بها قوى التغيير السياسي ما قبل "14 جانفي"، كانت بمثابة مطلب مثالي وغير قابل للتحقيق، وحين تحقق ارتبكت تلك القوى في التعامل معها، والتمكن من آلياتها، ذلك أنها لم تلامس منها إلا جانب الحريات، بمعزل عن الجانب الاجتماعي والذي كان المطلب الشعبي الأوّل.

في عودة النظام القـــــــديم

مكنت الأحداث السياسية والثورية من عزل النظام السابق بشكل يكاد يكون نهائيًا، طيلة ثلاث السنوات الأولى، فقد خاض هذا النظام انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011 بشكل محتشم تحت غطاء أحزاب منبثقة عنه لم تحقق له نجاحًا يستحق الذكر سوى بعض المقاعد القليلة في المجلس التأسيسي، لكن بعد وجود الإسلاميين، أبرزهم حركة النهضة، ضمن منظومة الحكم طيلة ثلاث سنوات تميّزت بالارتباك الأمني والسياسي والاجتماعي كاستفحال ظاهرة الفقر وغلاء المعيشة وارتفاع نسبة البطالة وعدم تحقيق سقف الانتظارات الشعبية، إضافة إلى حدوث الاغتيالات السياسية وبعض الضربات الإرهابية وتنامي ظاهرة التطرف وظهور السلفيين بشكل يهدّد النمط المجتمعي التونسي، ظهرت حالة من الذعر الشعبي وشعور بتهديد المكتسبات الحداثية، مكتسبات الدولة الوطنية بعد الاستقلال.

 في حين استغل النظام القديم حالة الذعر الشعبي وارتباك قوى التغيير السياسي اليسارية منها في التعاطي مع توتر الوضع الذي كان ينبئ بانفجار دموي ليطرح النظام القديم نفسه بديلًا تنويريًا وذلك عبر استرجاع صورة الزعيم بورقيبة بوصفه المؤسس لدولة الحداثة التونسية كما يصنفه أنصاره، ونجح في كسب شعبية هامة منذ اعتصام باردو بعد اغتيال محمد البراهمي، وهي شعبية مكنته من كسب الانتخابات الأخيرة، خاصة وأنّه حمل في صفوفه عديد الرموز اليسارية والنقابية، التي عرفت بمعارضتها الشديدة لحكومة النهضة الحزب ذي المرجعية الدينية.

اقرأ/ي أيضًا: 1916 - 2016.. الضحية نفسها

الـراهن السياسي.. دكتاتورية ناشئة أم ديمقراطية في الأفق

يبدو المشهد السياسي الحالي وما يرافقه من إرهاصات وصعوبات ورهانات قادمة مبشرًا بعودة الدكتاتورية من جديد، نظرًا إلى حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد، خاصة على المستوى الأمني والاجتماعي، بعد تنامي الاحتجاجات الشعبية وقمعها أو تهميشها، وبعد عودة التعذيب في السجون التونسية وتبريره من بعض النخب الحاكمة على أنّه عنف مشروع لانتزاع الاعترافات من الإرهابيين، بعد العمليات الإرهابية الأخيرة التي أربكت المشهد التونسي، وعودة رموز النظام القديم إلى الظهور الرسمي الجريء، آخرها صهر الرئيس السابق على إحدى الفضائيات التونسية في حوار مطول، وهو ما اعتبره العديد استفزازًا لعائلات الشهداء، ما دفع مجموعة "مانيش مسامح" تقوم بوقفات احتجاجية انتهت إلى تدخل الأمن ضدّها وسجن بعض أعضائها.

ينقسم الشارع التونسي حول موضوع المصالحة الوطنية الشاملة، الذي يشترك فيه كل من "نداء تونس"، الحزب القريب من المنظومة القديمة، و"حركة النهضة" إحدى قوى الثورة والإسلام السياسي في البلاد، ويتفق هذان الطرفان الرئيسيان على ضرورة المصالحة الوطنية الشاملة تطوي صفحة الماضي، وتكون لبنة أولى لبناء مستقبل مشرق للبلاد خال من الأحقاد والخلافات، فيما تذهب بعض القوى المحسوبة على الثورة إلى أنّ هذه المصالحة في الواقع ليست إلا تعويمًا للنظام السابق وعودته إلى واجهة الحكم من جديد.

اقرأ/ي أيضًا:

مصر ونظرية شيخ العرب

اليمن.. خمس سنوات في الطريق إلى الصوملة