25-نوفمبر-2015

الأمن التونسي يطوّق مكان حادثة التفجير(فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

حوالي الخامسة مساء بتوقيت تونس، مساء 24 من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، انفجرت حافلة تقل أفرادًا من الحرس الرئاسي التونسي في واحد من أهم الشوارع الرئيسية، وسط العاصمة التونسية. حملت الحادثة منذ الإعلان عنها بصمات الإرهاب لكن وزارة الداخلية التونسية توخت الحذر هذه المرة ولم تؤكد الطبيعة الإرهابية مع بداية اكتشاف العملية، رغم جسامة الخسائر إذ أسفر الانفجار عن 13 قتيلًا و20 جريحًا من أعوان الأمن الرئاسي، والحصيلة قابلة للارتفاع في أي لحظة، باعتبار خطورة بعض الحالات في صفوف الجرحى.

حمل انفجار حافلة الأمن الرئاسي في تونس رمزية خطيرة ورسائل مختلفة، تجلت من خلال اختيار مكان الانفجار وتوقيته والمستهدفون هذه المرة

تعددت الروايات والتي تمحورت أساسًا حول فرضيتين، إحداهما أن يتعلق الأمر بسيارة مفخخة قرب حافلة الأمن الرئاسي والأخرى أن يكون وراء التفجير انتحاري يحمل حزامًا ناسفًا وهي الفرضية التي أكدها إثر ذلك مسؤول بالرئاسة التونسية لبعض وسائل الإعلام، دون تقديم أي توضيح حول الطريقة التي وصل بها الانتحاري إلى الحافلة.

وفي تونس، تتالت خلال السنوات الأخيرة العمليات الإرهابية واستهدفت أساسًا أمنيين وعسكريين إضافة إلى قادة سياسيين. لكن الحادثة الإرهابية مساء 24 من تشرين الثاني/نوفمبر 2015، حملت رمزية خطيرة حسب الكثيرين وحملت أيضًا رسائل مختلفة، تتضح عبر اختيار مكان الانفجار وتوقيته والمستهدفون هذه المرة.

وقع الانفجار قرب مقر وزارة الداخلية التونسية، وقرب أهم شوارع العاصمة، في منطقة تتميز بتواجد أمني كبير وضخم وعلى بعد أمتار قليلة من مدارس وبنوك ومؤسسات حكومية ومحلات تجارية، لكن النهج الذي عرف الانفجار لم يتميز بحركة كبيرة. فسر الكثيرون ذلك بتركيز أصحاب العملية، من جديد، على المس من أعوان الأمن بشكل خاص دون باقي المواطنين، لكن كل الفرضيات كانت ممكنة في ذلك التوقيت بالذات. لكن الرسالة الأكثر وضوحًا كانت التحدي الصارخ لأجهزة الأمن ومؤسساته في البلد، من خلال اختيار المكان، الذي يعتبره التونسيون من أكثر المناطق أمنًا، وهذا المكان تصله يد العمليات التفجيرية لأول مرة.

حصل الانفجار في توقيت يتزامن مع خروج الموظفين الحكوميين من مؤسساتهم وازدحام شوارع العاصمة خلال لحظة وقوع الانفجار لاحتضان تونس حدثًا ثقافيًا كبيرًا، وهو أيام قرطاج السينمائية التي تستقبل جمهور السينما من تونس والعالم. هكذا، لم يكن حجم الخسائر البشرية، في حقيقة الأمر، تحت سيطرة منفذي العملية. كما يعتبر تزامن العملية مع حدث ثقافي عالمي وعربي ضربة موجعة من جديد للسياحة وثقة الأجنبي في استقرار البلد، وهي الصورة التي سعت تونس لإعادة ترسيخها بعد كل عملية إرهابية، أملًا في أن ينعكس ذلك على اقتصاد البلد ويخرج من أزمته الخانقة.

وكانت الحافلة المستهدفة بالانفجار تقل الأمن الرئاسي التونسي وهو ما يعرف في تونس بـ"نخبة الأمن"، والذي لم تنجح في استهدافه في السابق عمليات إرهابية. وصل الخطر إذًا إلى أمن الرئيس وهذا من أكثر رسائل العملية إثارة للخوف في نفس المواطن التونسي. وفي اختيار المستهدفين الرئيسيين من العملية تأكيد أن الحرب النفسية هي الأساس وأن الاستعدادات القادمة لن تقتصر على الجانب الأمني فقط.

في الجانب المقابل، كان تعاطي المسؤولين الأمنيين مع العملية مختلفًا. تميزت عملية الانفجار بشح الأخبار المتوفرة حولها من المصادر الأمنية والحكومية. غابت تفاصيل كثيرة مهمة وهي لا تزال كذلك رغم مرور أكثر من 16 ساعة عن تاريخ وقوع الانفجار، تكتم رسمي ملحوظ مقارنة بعمليات سابقة وحيطة قبل الإعلان عن طبيعة العملية وهو ما فسره بعض المحللون بحذر متصاعد من أن تخدم المعلومات المسربة مرتكبي العملية.

وصل الخطر إذًا إلى أمن الرئيس وهذا من أكثر رسائل العملية إثارة للخوف في نفس المواطن التونسي

وكانت تونس قد تعرضت لهجومين كبيرين هذا العام استهدفا قطاع السياحة بالأساس. ففي حزيران/يونيو الماضي، قتل مسلح 38 أجنبيًا على شاطئ أحد الفنادق في مدينة سوسة الساحلية، وفي مارس/آذار، قتل مسلحون 21 سائحًا في هجوم على متحف باردو الأثري. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجومين الإرهابيين، كما يخوض الجيش التونسي صراعًا متواصلًا ضد الجماعات الإرهابية على مستوى الجبال القريبة من الحدود الجزائرية.

إثر هذه العملية، قرر الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات النقابية العمالية في تونس، تأجيل كل الإضرابات والاحتجاجات وأجّل الباجي قائد السبسي، رئيس البلاد، رحلة كانت متوقعة له إلى سويسرا وتم إعلان حالة الطوارئ لمدة شهر والإعلان عن اجتماع المجلس الأعلى للأمن الوطني، الذي من المتوقع أن يصدر عنه قرارات جديدة. وتم إلغاء عروض مهرجان أيام قرطاج السينمائية لمدة يوم واحد. وعلى غير العادة، لم ينتج عن إعلان حالة الطوارئ لغط كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، كان التونسيون، على اختلافهم، أكثر قلقًا وإن لم يعلنوا صراحة عن ذلك، ساندت معظم الأحزاب القرار وأكدت تثمينها جهود الأمنيين، في محاولة لتعزيز الوحدة والتضامن الداخلي خلال هذه الفترة. في المقابل، اعتبر حزب العمال (حزب العمال الشيوعي سابقًا)، الإعلان "مطية للمس من الحريات وخاصة حرية الصحافة والتظاهر والتعبير" وأن تواتر العمليات الإرهابية دليل على "قصور آداء الدولة في التصدي للإرهاب". 

كل شيء بدا مختلفًا في هذه الحادثة إلا تفاعل السياسيين وبعض المحللين السياسيين الذين، وكالعادة، اغتنموا الفرصة ليحاولوا تحقيق مكاسب سياسية من حادثة الانفجار، فيما تعالت أصوات أخرى داعية إلى التهدئة والوحدة الوطنية. وغاب صوت المسؤولين مما اضطر التونسيين لانتظار ساعات قادمة للكشف عن تفاصيل العملية ومرتكبيها والتطورات الأمنية التي من شأنها أن تعيد شيءًا من التوازن للشارع التونسي. 

اقرأ/ي أيضًا:

هجمات باريس.. تعليق على ما حدث

"داعش" يتراجع في سوريا والعراق.. ويتقدم في باريس