27-يناير-2016

فينوس قبل النقاب (Getty)

يوم الثلاثاء 12 /2 /2013، عشية عيد الحب الذي اعتاد عشاق العالم الاحتفال بذكراه في شهر شباط/فبراير كل عام، استيقظت جمهورية مصر على واقعة أثارت ضجة إعلامية مدوية في أرجاء العالم؛ مجموعة من الظلاميين عمدوا إلى تّحجيب تمثال أم كلثوم الذي ينتصب شامخًا في مدينة المنصورة، التالبعة لمحافظة الدقهلية.

يمكن أن يكون الحجاب رسالة دبلوماسية تقول باحترام ثقافة الآخر، ويمكن أن يكون رسالة حقد تُستغل للقضاء على ثقافة الآخر

انتفض العالم برمته لهذه الواقعة التي تهدف إلى "اغتيال الماضي" و"اغتيال الحرية"، وخرجت بيانات الشجب والتنديد، بالتزامن مع تلك الحادثة خرج عبد المنعم الشحات، أحد قيادي التيار السلفي في مصر داعيًا إلى "تغطية وجوه التماثيل الفرعونية بالشمع"، وإلى هدم الأهرامات وتفجير تمثال أبو الهول تيمنًا بما فعلته حركة "طالبان" بتماثيل بوذا.

قبلها بأيام قام "متطرفون" في مدينة معرة النعمان، في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، بقطع رأس شاعر العقل العظيم أبو العلاء المعري، قارعين طبول حرب مختلفة حولت ثورة "الحرية في سوريا" إلى ثورة يقودها الظلاميون، كان قطع رأس المعري إعلانًا بأن "سوريا ستتحجب بالسواد" أيضًا، وهو ما صار واقعًا بعد أشهر على يد داعش وشقيقتها السيامية النصرة.. لم تبق حكومة في العالم ولا منظمة حقوقية وثقافية إلا طبلت وزمّرت احتجاجًا على "اغتيال الماضي".

والطامة الكبرى أنه وبعيد أحداث "شارلي إيبدو" في كانون الثاني/يناير 2015، خرجت مظاهرة مليونية في شوارع باريس تضامنا "مع الحرية التي يحاول الظلاميون الإسلاميون اغتيالها" شارك بها زعماء العالم، فقامت صحيفة ميفاسر الإسرائيلية، الناطقة باسم اليهود المتزمتين، بنشر صورة للمظاهرة ولكنها تعمدت وبقصد أن تزيل منها صورة المستشارةَ الألمانية أنغيلا ميركل وغيرها من النساء الزعيمات في العالم، لأن المرأة باعتقاداتهم "عورة"، ولكونهم يهودًا صمت العالم عن جريمتهم.

وياللصدفة المدهشة يوم الثلاثاء 26 كانون الثاني/يناير الجاري، وفي ثلاثاء تحجيب "أم كلثوم، وشهر "أحداث شارلي إيبدو"، وكلهم عشية عيد الحب العالمي، يقوم "ظلاميو" أوروبا بإلقاء النقاب على تمثال إلهة الجمال فينوس، مغتالين ماضيهم الذي انتشر نور حريته في أرجاء ما يسمى بالعالم المتحضر.

يقول الخبر: "قامت السلطات الإيطالية بتغطية التماثيل الكلاسيكية العارية في متاحف كابيتوليني، و"دفنها في صناديق خشبية"، "احترامًا" للرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي التقى رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، ووقع معه عقود بلغت قيمتها 17 مليار يورو بين الشركات الإيطالية وإيران التي رفعت عنها العقوبات. وكان من بين التماثيل التي حجبت عن الأنظار، تمثال فينوس الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد، الذي غطي بالكامل بصناديق خشبية مؤقتة، حرصًا على ألَّا يراه روحاني.

ما حدث في إيطاليا ليس تنقيب جمال فينوس فقط، بل هو إزالة "النقاب" عن حقيقة مواقف أوروبا

تمثال فينوس! وما أدراك ما فينوس! متاحف كابيتوليني في إيطاليا.. وما أدراك ما متاحف كابيتوليني! هي إحدى أقدم متاحف العالم، ورمز من رموز عصر النهضة التي انطلق نورها من إيطاليا ليعم قارة أوروبا بجهاتها الأربع، ويصبح حلمًا منشودًا لباقي قارات كوكب الأرض.

كانت الرسالة واضحة لمن يجيد قراءة التاريخ: "يمكن أن يكون الحجاب "رسالة دبلوماسية" تقول باحترام ثقافة الآخر، ويمكن أن يكون "رسالة حقد" تستغل للقضاء على ثقافة الآخر.. إنها أبشع أشكال التلاعب بثقافات البشر وعقائدهم. فحكومات أوروبا ذاتها اليوم التي بات مشهد فتاة مسلمة تخرج بحجابها في شوارعها مثيرًا للرعب بالنسبة لها، لا بل يعتقدون أن الحجاب عار لأنه إهانة للمرأة وحقها بالحرية، تقوم إحدى حكوماتها وهي حكومة إيطاليا، وحرصًا على ألا تتفجر "خصيات قائد الثورة الإسلامية الإيرانية" شهوة، بتحجيب ماضيها لا بل واغتياله.

يالكل هذا النفاق.. أيها المنافقون في أوروبا.. وأنتم تدعون محاربة "الفكر المتطرف في الإسلام" لأنه إرهاب وتخافون على أوروبا من انتشاره؛ كيف لكم أن تحجبوا جمال إلهة الجمال الكون فينوس، وهو الذي ظل حرًا لقرون وقرون، لأجل حفنة من النفاق؟ لقد دمرتم جمالكم كما فعلت داعش في آثار تدمر والجزيرة السورية، وكما فعل ظلاميو مصر وطالبان بآثارهم! يا له من عار!!

ألا يكفي هذا الخبر لنرى حشود المتظاهرين في أوروبا في الشوارع احتجاجًا على "نفاق" هذه الجماهير التي "تنفعل" بشكل مرعب مع وسائل إعلامها ورسائل حكوماتها، لتغير مواقفها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمن، كما يحدث اليوم مع تقبلهم للاجئين؟ ألا يكفي هذا الخبر لنراهم في الشوارع يدافعون عن ميراث عصر نهضتهم الذي أخرجهم من عصور الظلام المقيتة، أم أن إعلامهم لم يشر لهم بذلك؟ ألا يكفي هذا الخبر لندرك حجم "البراغماتية" المقيتة التي تحكم أوروبا، ربيبة الاستعمار القديم، وتنعكس هذه السياسة على العالم برمته؟

"نور" عصر النهضة ومبادئ الحرية على المحك اليوم، هو ليس حدثًا عاديًا، هو حدث لا "ينقب جمال فينوس فقط، بل يزيل "النقاب" عن حقيقة مواقف أوروبا. ألأجل خصية روحاني تحجب إيطاليا، رائدة عصر النهضة الأوروبية جمال فينوس، لا بل تضعه في صندوق، هو ما لم يفعله أعتى المتطرفين الإسلاميين بنسائه.

عجبي من قوم يصمون آذاننا بصراخهم عن مبادئ الحرية والعدل، ويدعون أنهم يحترمون معتقدات الناس فتتداعى حكوماتهم لإلقاء الخمار على تمثال فينوس وتماثيلهم العارية، ليحجبوا جمالها الساحر وذلك خشية أن يثير جسدها شهوة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وعندما يرون فتاة محجبة في الشارع ينهالون عليها بالسباب والشتائم، أو على أقل تقدير يرونها كإرهابية محتملة.

يا قوم حكومتكم ألقت "النقاب" على حسناء الحرية "فينوس"، فماذا أنتم فاعلون؟؟

اقرأ/ي أيضًا:

الأخلاق كموقف سياسي، وليس العكس

أجواء الثورات.. عن الناس والسلطة