21-أغسطس-2017

القائد العام الجديد لأحرار الشام حسن صوفان (يوتيوب)

مطلع الشهر الجاري، أقدم مجلس شورى حركة أحرار الشام الإسلامية، على تغييرات جذرية في الصفوف القيادية الأولى، بعد انسحاب الحركة من مقراتها في مدن وبلدات محافظة إدلب، إلى ريفها الجنوبي وريف حماة الشمالي، وأيضًا بعد انشقاق مجموعة من الكتائب المندمجة ضمنها على خلفية الهجوم الذي شنته هيئة تحرير الشام الشهر الماضي على مواقعها، والذي أفضى إلى اتفاق بين الطرفين يقضي باستلام تحرير الشام إدارة المعابر الحدودية في ريف إدلب مع تركيا.

تغييرات جذرية في قيادة الصف الأول

في الأول من الشهر الجاري أصدر مجلس شورى أحرار الشام بيانًا أعلن من خلاله قبول استقالة القائد العام للحركة علي العمر (أبو عمار)، وتعيين حسن صوفان (أبو البراء) قائدًا جديدًا لها، بعد أسبوع تقريبًا من إعلان تحرير الشام سيطرتها على كامل مدينة إدلب، في خطوة كانت مفاجئة، نظرًا لأن الحركة أجرت تغييراتها في الصف القيادي الأول دون أن تلتفت لما أحدثه انسحابها من مقراتها في الخريطة العسكرية للشمال السوري، الذي بات يخضع لسلطة تحرير الشام.

كان لافتًا أن التغييرات التي أجرتها أحرار الشام في الصف الأول جاءت متزامنة مع خسائر مُنيت بها في محافظة إدلب على يد تحرير الشام

وبعد أسبوعين على استلام حسن صوفان منصبه كقائد عام للحركة، أصدر قرارات إدارية منفصلة نصت على قبول استقالة النائبين الأول والثاني للقائد العام للحركة، والقائد العسكري، ورئيس الجناح السياسي، مع تعيين علاء فحَام نائبًا أول للقائد العام، وأبو عدنان زبداني قائدًا للجناح العسكري، وكنان النحاس رئيسًا للجناح السياسي، وأبي علي الساحل أمينَ سرٍ للقائد العام للحركة، في محاولة لإعادة ترميم هيكلية الحركة بعد ما تعرضت له خلال الشهر الماضي من انهيارات متوالية.

اقرأ/ي أيضًا: حروب الإخوة الأعداء.. صراع المفاهيم في ريف إدلب

وكان مُثيرًا للاهتمام تعيين حسن صوفان قائدًا للحركة، وهو الذي مضى على خروجه من سجون النظام السوري أقل من ثمانية أشهر. ونشر الحساب الرسمي للحركة السيرة الذاتية لصوفان، والتي تقول إنه من مواليد اللاذقية عام 1977، وتخرج من كلية الاقتصاد في جامعة تشرين بنفس المدينة، وأوقف في السعودية عام 2005، ومن هناك سُلّم للنظام السوري الذي اعتقله في سجن صيدنايا العسكري، إلى أن خرج في صفقة تبادل للمعتقلين بين الحركة والنظام السوري في 26 كانون الأول/ ديسمبر 2016.

حسن صوفان، القائد الجديد لأحرار الشام (مواقع التواصل الاجتماعي)
حسن صوفان، القائد الجديد لأحرار الشام (مواقع التواصل الاجتماعي)

وأشارت السيرة الذاتية لحسن صوفان أنه كان من بين المعتقلين الإسلاميين الذين حضروا استعصاء سجن صيدنايا الشهير عام 2008، والذي بسببه عرف السجن مجزرة راح ضحيتها العشرات على أقل تقدير، كما أنّ النظام السوري حكم على صوفان بالسجن المؤبد بعد انتهاء الاستعصاء بحجة قيادته للتمرد، رغم أنه قاد التفاوض مع وفد النظام لفض عملية الاستعصاء. ومما اهتمت السيرة الذاتية بالإشارة إليه عن حسن صوفان، أنّه "قام بدور إيجابي في إصلاح الفكر الجهادي ومحاربة الغلو والتطرف باستخدام مفهوم الجهاديين ولغتهم وأسلوبهم"، فيما يبدو أن من ورائها رسالة مقصودة.

باختصار.. أحرار الشام من التأسيس إلى تدارك الانهيار

في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، أُعلن عن ولادة حركة أحرار الشام الإسلامية بقيادة حسان عبود (أبو عبدالله الحموي)، ومجموعة من المعتقلين الإسلاميين الذين يصفهم البعض بالتشدد، والذين خرجوا من معتقل صيدنايا في أول عفو رئاسي يصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الثورة السورية. 

وعملت الحركة خلال تلك الفترة على تقوية جناحها العسكري، وبدأت تظهر أفرعها في مختلف المناطق الخارجة عن سيطرة قوات الأسد إبان تلك الفترة، وكانت أكبر الفصائل التي شاركت في عملية السيطرة على مدينة الرقة، مركز المحافظة بذات الاسم، ومدن الطبقة وتل أبيض بريفها عام 2013، قبل أن يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إليها منتصف 2014.

كان أيلول/سبتمبر 2014، تاريخًا فاصلًا لأحرار الشام، إذ تعرضت لضربة كبيرة باغتيال 40 من قادتها، بينهم المؤسس حسان عبود

وفي الثامن من أيلول/سبتمبر 2014، تلقت الحركة ضربة كبيرة عندما وقع انفجار غامض خلال اجتماع عقدته قيادات الصف الأول والثاني للحركة قرب بلدة "رام حمدان" بريف إدلب الشمالي، ما أسفر عن مقتل مؤسس الحركة إلى جانب أكثر من 40 قياديًا كانوا حاضرين. وفي عام 2015 شاركت الحركة في تشكيل تحالف "جيش الفتح" الذي سيطر على كامل محافظة إدلب، لكنها شهدت تراجعًا منذ منتصف 2016، نتيجة انشقاقات في صفوفها لا تزال مستمرة حتى يومنا الحالي، ما أظهر أنها لم تتعاف من التفجير الذي قضى على إثره غالبية القادة المؤسسين لها.

اقرأ/ي أيضًا: العفو الدولية تتهم الأسد بإعدام الآلاف في صيدنايا

ومنذ بداية العام الجاري، دخلت الحركة في خلاف مع جبهة فتح الشام التي اندمجت ضمن تشكيل هيئة تحرير الشام، في شباط/فبراير واستمر إلى تموز/يوليو الماضي، حين بدأت الأخيرة حربًا على الحركة بمهاجمتها مقارّها، وانتهى بعقد اتفاق يفضي بانسحاب أحرار الشام من المعابر الحدودية مع تركيا، وإخلاء جميع مقراتها من مدن الريف على أن تتوجه لجنوب إدلب، وشمال حماة، الأمر الذي دفع بمجلس الشورى بعد الانتكاسة الأخيرة لإجراء التعديلات في قيادتها.

لماذا التغييرات القيادية الآن؟

بحسب السيرة الذاتية لحسن صوفان، فإنه يصنف من القادة المؤسسين للحركة كونه كان حاضرًا استعصاء معتقل صيدنايا إلى جانب مؤسس الحركة حسان عبود وأبو عيسى الشيخ، قائد لواء صقور الشام الذي اندمج مع الحركة مطلع العام الجاري، وأبي محمد الجولاني مؤسس جبهة النصرة، ذراع تنظيم القاعدة في سوريا قبل أن تعلن فك ارتباطها معها عام 2016، وتصبح فتح الشام، ولذا فيبدو أنّ اختيار حسن صوفان لهذا المنصب جاء بناءً على أنه واحد من الوجوه الجديدة التي ظهرت في الحركة نهاية العام الماضي، عكس جميع القياديين الذين وُجدوا خلال السنوات الماضية.

ووفق ما ذُكر في سيرته الذاتية، فحسن صوفان حارب "الغلو والتطرف" من وجهة نظر الجهاديين أنفسهم، ما يدل على أن الأحرار تسير في إعادة هيكلية ليس في قيادتها فقط وإنما في بنية برنامجها السياسي، الذي تحاول أن تظهر فيه أكثر اعتدالًا عمّا سبق، وهي واحدة من الفصائل الإسلامية قاتلت تنظيم "جُند الأقصى" الذي كان يملك صلات مع قيادات من داعش، قبل أن تتدخل جبهة فتح الشام لتهدئة المعارك بين الطرفين، وقبولها مبايعة تنظيم الجند لها، لكنها ما لبثت أن أعلنت فك بيعة جند الأقصى في وقت لاحق من العام الجاري، وقبلت بخروج الراغبين من التنظيم إلى مناطق سيطرة داعش في الرقة.

وكانت أحرار الشام من بين الفصائل المُرشحة لاستلام الإدارة المدنية لمحافظة إدلب، وحاولت في أكثر من مرة التركيز على العمل المدني في شمال سوري، والتي بدأتها بدعوة كنان نحاس، عضو المكتب السياسي آنذاك، خلال حوار مع برنامج "بلا حدود" على قناة الجزيرة في نيسان/أبريل 2015، لـ"تفعيل العمل وتشكيل هيئة قضائية عليا داخل مدينة إدلب". 

وخلال العام الجاري، تبنت الحركة رفع علم الثورة، عندما ظهر في كلمة مصورة لعلي العمر إلى جانب رايتها، إلا أن التغييرات التي شهدتها الخارطة العسكرية على صعيد التغيير الديموغرافي في محيط العاصمة، والانهيار الذي حل بصفوفها، جعلها تصبح خارج حسابات الجهات الدولية الفاعلة في مؤتمر أستانا الذي انبثق عنه مذكرة تفاهم مناطق "تخفيف التصعيد".

علم الثورة السورية إلى جانب راية أحرار الشام (يوتيوب)
علم الثورة السورية إلى جانب راية أحرار الشام في كلمة للقائد السابق علي العمر (يوتيوب)

إلا أنّه رغم إدراج محافظة إدلب ضمن مذكرة تخفيف التصعيد، إلا أنها باتت مهددة بتعرضها للقصف من مختلف الجهات الدولية الفاعلة عسكريًا في سوريا، بسبب سيطرة تحرير الشام عليها، بسبب أنّ الأخيرة مدرجة على قوائم الإرهاب.

يبدو أن تعيين حسن صوفان قائدًا عامًا لأحرار الشام بشكل سريع، يستهدف تدارك حالة التدهور العامة التي تشهدها الحركة منذ شهور

وغداة سيطرة تحرير الشام على مدينة إدلب والمعابر الحدودية، قال وزير التجارة والجمارك التركي بولنت توفنكجي، إن بلاده ستحد من تصدير المواد إلى سوريا عبر معبر باب الهوى، باستثناء المواد الإنسانية، كما أن مايكل راتني مبعوث الخارجية الأمريكية إلى سوريا هدّد بشكل واضح عبر رسالة نشرها على الإنترنت باستهداف مدينة إدلب في حال بقيت داخلها مقرات تحرير الشام.

اقرأ/ي أيضًا: آخر أصدقاء سجن صيدنايا

وتداركًا للتغيرات التي حلت بالخارطة العسكرية شمال سوريا، وتوسع نفوذ تحرير الشام في المنطقة بشكل عام، يبدو أن أحرار الشام ارتأت أن تعجل في التغييرات ضمن قياداتها على أعلى المستويات، نظرًا أنه على الرغم من توصلها لاتفاق مع تحرير الشام، فإن ذلك لن يمنع عناصر الأخيرة من شن هجمات جديدة على مقارها في الريف الجنوبي، كما أنها تسعى في ذات الجانب لتلافي حدوث المزيد من الانشقاقات داخل صفوف الكتائب المندمجة ضمنها.

كذلك فأن التغييرات داخل قيادات الحركة قد تساعدها على إعادة بناء هيكليتها التنظيمية وفق التطورات الجديدة التي طرأت على الساحة السياسية بعد التوافق على أكثر من منطقة لوقف إطلاق النار في إطار مذكرة مناطق "تخفيف التصعيد"، يلزمها بإعادة تقييم تجربتها السابقة حتى تستخلص الدروس التي أفضت بها لهذه المرحلة بعد أن استطاعت جذب العديد من النشطاء في مناطق الشمال مقابل الانتهاكات التي مارسها عناصر أحرار الشام، من بينها إطلاق النار على المظاهرات التي خرجت ضدهم في مدن ريف إدلب، ما يفرض على الأحرار إعادة ترتيب أوراقها الداخلية تمهيدًا للانتقال لمرحلة جديدة من العمل التنظيمي بطريقة مختلفة عن السنوات الماضية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا تعرف عن الفصائل القوقازية المقاتلة في سوريا؟

هل تبتلع القاعدة فصائل المعارضة السورية؟