تعتبر الأمازيغية مقومًا أساسيًا في الهوية الجزائرية ورافدًا مهمًا من روافدها التاريخية، وتعد لغة وطنية في الجزائر بموجب قرار دستوري، لكن اللغة الرسمية هي العربية. وقد انطلق تدريس اللغة الأمازيغية في المؤسسات التربوية الجزائرية قبل 20 سنة، بعد سنوات من نضال "الحركة الأمازيغية"، التي تعتبر تدريس اللغة انصافاً للثقافة والهوية الأمازيغيتين. تم تدريس اللغة، في البداية، في المناطق ذات الأغلبية الأمازيغية ك"تيزي وزو" و"بجاية" و"البويرة" و"باتنة" و"بومرداس"، ثم اتسعت رقعة تدريسها تدريجيًا إلى 11 محافظة قبل بضع سنوات، قبل أن تقرر وزيرة التربية والتعليم نورية بن غبريط تعميم تدريسها في 21 محافظة من أصل 48.
الأمازيغية لغة وطنية في الجزائر بموجب قرار دستوري
واعتبرت الوزيرة آنذاك أن "قرارها يدخل في إطار ترسيخ أحد أعمدة الهوية الوطنية، وأن وزارتها تعمل بالتنسيق مع "المحافظة السامية للأمازيغية" التابعة لرئاسة الجمهورية من أجل تعميم تدريسها وطنيا، والعمل على تكوين المدرسين والإطارات وإثراء المناهج التربوية".
وتتوفر الجزائر حاليًا على 4 معاهد متخصصة في اللغة والثقافة الأمازيغية تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في كل من "تيزي وزو"، "بجاية" و"البويرة"، إضافة إلى معهد الأمازيغية في محافظة "باتنة" شرقي البلاد والذي تم تدشينه عام 2013. ويتخرج من هذه المعاهد سنويًا المئات من حملة الإجازة والماجستير في اللغة والثقافة الأمازيغية. وتراهن الجزائر على هؤلاء من أجل تدريس اللغة الأمازيغية وتغطية حاجيات المؤسسات التربوية من مدرسين.
خلال السنوات القليلة الماضية، تم اعتماد كتاب مدرسي في اللغة الأمازيغية لكل مرحلة من التدريس وتطور عدد المعلمين بعد تخرج دفعات جديدة من المعاهد المتخصصة، مما يرجح فرضية تعميم تدريس اللغة قريبًا في كل التراب الجزائري على المدى المتوسط والبعيد. وقررت وزارة التربية منذ عام 2005 إدراج اللغة الأمازيغية في مناهج الأقسام الابتدائية، إذ يتم تدريسها بداية من السنة الرابعة. يرى عبد النور، وهو مدرس لغة أمازيغية في أحد ثانويات محافظة البويرة، أن "هناك استجابة وإقبالا من التلاميذ على دراسة الأمازيغية ونحن نسعى إلى تكوين جيل يمكنه الإبداع بلغته الأم واللغات الأخرى".
وعن المعوقات التي تواجه أساتذة الأمازيغية في الجزائر، يقول عبد النور: "إنهم يدرسون 18 ساعة في الأسبوع فقط، أي أقل بـ6 ساعات مقارنة بدروس اللغتين العربية والفرنسية، وهذا ما يضطرهم للتدريس بمؤسستين تعليميتين مختلفتين، لاستكمال عدد الساعات المطلوب منهم مما ينهكهم ويشعرهم بقليل من عدم الاستقرار أثناء آداء مهامهم". ولا ينكر عبد النور نقص الخبرة لدى الكثير من أساتذة الأمازيغية. ومن أجل تجاوز ذلك، يخضع كل الناجحين في امتحانات التدريس إلى دورات تكوينية مكثفة لمدة 15 يومًا، قبل انطلاق كل سنة دراسية.
يتأثر تدريس الأمازيغية في الجزائر بالطلب فهي ليست لغة إلزامية مثل العربية أو الفرنسيّة
ويرى بعض المختصين في الشأن التربوي أن "بإمكان الحكومة الجزائرية التشجيع أكثر على الاهتمام باللغة الأمازيغية من خلال وضعها على قدم المساواة مع اللغات الأخرى في الجزائر". ويتأثر تدريس الأمازيغية بالطلب، فهي ليست لغة إلزامية مثل العربية أو الفرنسيّة. ففي وهران على سبيل المثال، لم يعد هناك الكثير من المؤسسات التي يتم فيها تدريس الأمازيغية ويقتصر تدريسها على مجموعات قليلة من الطلبة في العاصمة الجزائر وكذلك في "غرداية". ويبحث الطلبة عادة عن دراسة اللغات الأجنبية المنتشرة في العالم والتي توفر لهم إمكانيات تطور وعمل.
ويطفو أحيانًا على السطح سؤال قديم: "بأي حروف ستكتب الأمازيغية؟"، فمنذ إقرار تدريسها، عمدت وزارة التربية والتعليم إلى طباعة الكتاب المدرسي بالحروف اللاتينية، وليس بحرف "تيفيناغ" الخاص بالأمازيغية. وأثار ذلك تجاذبات عدة، لكن اتفق معظم المتابعين للشأن الأمازيغي أن تكتب بحروف لاتينية مما قد يسمح لها بالانتشار أكثر، ويسهل على أصحاب اللغات والثقافات الأخرى مهمة تعلمها.
وتبقى مهمة تطوير اللغة الأمازيغية رهين إنتاج حراك ثقافي يساهم في الرقي بها ومن بين الأعمال التي تندرج في هذا الإطار، توقيع اتفاقية بين وزارة الاتصال والمحافظة السامية للأمازيغية، التابعة للرئاسة، تتعلق بتوسيع إدراج الأمازيغية في الإعلام الجزائري. وتم مؤخرًا إطلاق موقع للأخبار بالأمازيغية من قبل وكالة الأنباء الجزائرية، ومن جهة أخرى، تم إطلاق تطبيق "أزول" الذي يسمح بتعليم أبجديات اللغة الأمازيغية.