23-نوفمبر-2015

المرشح الجمهوري صاحب التصريحات المعادية للمسلمين "دونالد ترامب" (Getty)

تجاوزت نسبة الكراهية العنصرية ضد المسلمين في الولايات المتحدة في أوساط الأمريكيين البيض ذوي الأصول الأوروبية وفي خطاب الطبقة السياسية الناطقة باسمهم، سقف الدستور والقوانين الأمريكية التي تقدس حرية الأديان، وبلغت حدة العداء للأمريكيين المسلمين مستوى خطيرًا لم تشهد الولايات المتحدة مثيلًا له حتى في ذروة المواجهة مع تنظيم القاعدة بعد هجمات سبتمبر عام 2001 وتدمير مركز التجارة العالمي في نيويورك. حينها تعرض المسلمون لمضايقات وتحقيقات وانتهاكات عنصرية إلا أن الأمر لم يصل إلى حد إطلاق الدعوات العلنية لإغلاق مساجد المسلمين في الولايات المتحدة، كما فعل دونالد ترامب متصدر المرشحين عن الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة.

لا يخفى اليوم التعاطف الضمني القائم بين الأمريكيين من أصول أفريقية مع اللاتينو والمسلمين

وكأن هجمات داعش الأخيرة على باريس، من وجهة نظر اليمين الأمريكي، هي أخطر بكثير من الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة نفسها عام 2001. فانفجار الصراع بين أوروبا المسيحية والمهاجرين المسلمين من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، سيكون له تداعيات خطيرة على الهوية المسيحية لأوروبا وتاليًا للولايات المتحدة، التي تواجه أيضًا ما تعتبره مخاطر النمو الديموغرافي للأمريكيين من أصول إسلامية حيث تشير بعض التقديرات إلى أن أعدادهم تتجاوز الثمانية ملايين، ما يعني أنهم أصبحوا قوة انتخابية يجب أخذها بالحسبان في المعادلات السياسية الأمريكية القائمة على توازنات القوة بين المجموعات والأقليات الإثنية والعرقية.

بهذا المعنى فإن تصعيد الأمريكيين البيض خطابهم العنصري ضد الجاليات الإسلامية في الولايات المتحدة يندرج في نفس سياق التشنج العنصري الذي يطال كذلك الأمريكيين من أصول أفريقية ولاتينية، وأحيانا اليهودية. وترامب نفسه، المتحمس إلى إغلاق مساجد المسلمين ومنع اللاجئين السوريين من دخول الولايات المتحدة، على جدول أولوياته عند وصوله إلى البيت الأبيض ترحيل نحو خمسة عشر مليونًا من المهاجرين اللاتينو المقيمين بطريقة غير شرعية إلى بلدانهم في أمريكا الجنوبية.

وكأن هذا الخطاب العنصري المتشنج مرعوب من فكرة تحول الأكثرية البيضاء في الولايات المتحدة إلى أقلية بعد نحو عقدين حسب الإحصاءات السكانية الرسمية، وكأنه من حيث لا يدري يحشد بمواجهته كل الأقليات الأخرى. فلا يخفى اليوم التعاطف الضمني القائم بين الأمريكيين من أصول أفريقية مع اللاتينو والمسلمين. وسياسات باراك أوباما، أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية، ومواقفه المتعاطفة مع المهاجرين اللاتينو واللاجئين السوريين خير مثال على ذلك. وهذا ما يعبر عنه بعض الجمهوريين العقلاء الذين يرون أن تصاعد حدة الخطاب العنصري ضد الأقليات لدى المرشحين الجمهوريين للانتخابات الرئاسية سيصعب معركتهم لاستعادة البيت الأبيض من الديمقراطيين المدافعين عن حقوق الأقليات في الولايات المتحدة.

الحقيقة الصعبة التي ما زال يرفضها اليمين الأمريكي المحافظ أن ثمة تحولات بنيوية عميقة طالت المجتمع الأمريكي في العقود القليلة الماضية أفسحت الطريق أمام الأقليات الإثنية والدينية إلى لعب دور أكبر في الشأن العام الأمريكي وحماية حقوقها المدنية التي يقرها الدستور الأمريكي.

وعليه فإن المرجح أن تداعيات الحملة العنصرية على المسلمين في الولايات المتحدة ستكون على خلاف توقعات مطلقيها. فالمسلمون في الولايات المتحدة اليوم هم أقوى من السابق، ومشاركتهم السياسية في الشأن العام في نمو مضطرد، والأرجح أن الحملة التي يتعرضون لها ستحفزهم أكثر على مشاركة أوسع في الانتخابات المقبلة. وهم يدركون أن أي رئيس أمريكي لن يتجرأ على اتخاذ قرار إغلاق المساجد في الولايات المتحدة، التي تضاعف عددها بعد هجمات سبتمبر 2001، إذ يزيد عن ألفي مسجد في كافة أنحاء الولايات الأمريكية .

اقرأ/ي أيضًا:

فحص ديني للاجئين السوريين في أمريكا

كوب ستاربكس الذي لا يحب المسيح