12-ديسمبر-2016

الصحفي الجزائري محمد تامالت (أ.ف،ب)

وفاة صحفي مسجون في قضية سياسية بسبب مضاعفات إضرابه عن الطعام أو بسبب الإهمال الطبّي، هو خبر بات عاديًا حول واقع حقوق الإنسان في مصر أو سوريا طيلة السنوات الأخيرة، ولكنّه يُعتبر خبرًا غير مألوف في الجزائر.

فإن ما زالت انتهاكات حقوق الإنسان مستمرّة رغم واقع الاستقرار السياسي الهشّ بطبيعته، فإن وفاة الصحفي محمد تامالت مؤخرًا بسبب إضرابه عن الطعام منذ اعتقاله، دقّت ناقوس الخطر حول حجم الانتهاكات، وليضاف بالنهاية شهيد جديد على درب مسيرة الحرية في الجزائر.

تامالت هو آخر فرسان الكلمة الحرّة في بلد كالجزائر يعيش حالة موت إكلينيكي كما رئيسه العاجز

تامالت هو واحد من صحفيين ورجال كثيرين عمومًا في الجزائر اختاروا مواجهة السلطة خاصة بفضح ملفات الفساد المالي، وذلك في مغامرة لم يحاول تامالت التراجع فيها رغم التهديدات، وهي مغامرة شُجاعة كلّفته حياته بالنهاية.

اقرأ/ي أيضًا: "اغتيال بطيء" للصحفي الجزائري محمد تامالت!

هاجر الصّحفي الثائر إلى بريطانيا قبل سنوات وأدار من هناك موقع "السياق العربي"، والذي جعله واجهة مفتوحة ضدّ السلطة الجزائرية دون تردّد وحسابات. ولعلّه لذلك جعل شعار موقعه "ننشر ما يخاف الآخرون نشره"، وجعل ركنًا خاصًا عنوانه "ملفات ثقيلة".

عرض تامالت مؤخرًا تقارير عدّة حول فساد الوزراء وجنرالات الجيش وعائلاتهم. تحدّث بالخصوص عن قائد الجيش أحمد قايد صالح، والوزير الأول عبد المالك سلال، ومدير المخابرات الجنرال طرطاق، والمسؤول السابق عن الأمن الداخلي الجنرال عبد الحميد بن داوود، وآخرين.

لم يشأ تامالت أن يظهر كصحفي "يفضح" الملفات من بعيد، ولذلك لم يتردد في العودة للجزائر في حزيران/يونيو الماضي رغم إمكانية اعتقاله. كتب حينها سخرية أن والدته "فرضت الإقامة الجبرية" عليه لأنها كانت تخشى اعتقاله وهو ما حصل فعلًا بعد أسبوع.

اختار الرجل لاحقًا الدخول في إضراب جوع رفضًا لاعتقاله وحكم عليه بسنتين واستمرّت حالته الصحيّة في التدهور إلى أن فقد حياته.

تامالت هو آخر فرسان الكلمة الحرّة في بلد يعيش حالة موت إكلينيكي كما رئيسه العاجز، منذ تعرضّه لجلطة دماغية قبل ثلاث سنوات، على المشي وحده خطوتين للأمام. لم يكن تامالت قبل وفاته للمفارقة يستطيع المشي منذ تعرضه لجلطة دماغية كذلك في الصيف الفارط، وذلك نتيجة خياره الدخول في إضراب عن الطعام رفضًا لمحاكمة من سلطة "جائرة" و"فاسدة".

ما زالت تروّج السلطة في الجزائر على أنها "أنقذت نفسها" من رياح الربيع العربي الذي تفضّل الأجهزة الدعائية للدولة وصفه بـ"الفوضى".

تروّج لذلك في الوقت الذي لا تعمّ إلا الضبابية و"فوضى التكهنات" في معركة السلطة مع مرض رئيس البلاد وانطلاق "حرب التصفية" منذ استعدادات الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

تظهر اليوم الجزائر كبركان يتصاعد منه الحمم، ويخشى الجزائريون انفجارًا له قد يهدّد الاستقرار الهشّ بطبعه

فتمّ حلّ جهاز المخابرات العسكرية وتمّت إقالة رئيسه الجنرال توفيق، وتواصلت طيلة السنوات الأخيرة معارك النفوذ بين أجنحة السلطة. ولعلّ آخرها إقالة أمين عام حزب جبهة التحرير الحاكم سعيداني، وهي إقالة ضمن ترتيبات القصر الرئاسي لمرحلة قادمة يغيب صوت الشعب عن مضامينها.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا حدث لأمين عام الحزب الحاكم في الجزائر؟

تظهر اليوم الجزائر كبركان يتصاعد منه الحمم، ويخشى الجزائريون انفجارًا له قد يهدّد الاستقرار الهشّ بطبعه. فلا يزال، بالتوازي، الفساد منتشر بين الشبكات المرتبطة حول النظام بشكل فظيع ممّا زاد من صعوبات اقتصاد ريعي خاصّة بعد انخفاض العائدات النفطية في السنوات الأخيرة.

وقد كشفت منظمة الشفافية العالمية السنة الفارطة أن الجزائر تحتل المرتبة 88 في العالم في مؤشرات مكافحة الفساد وهو مؤشر متدن يعكس واقع البلاد.

اختار تامالت معركته منذ البداية بأن يكون صوتًا كاشفًا للحقيقة ومدافعًا عن حقوق شعبه وحرياته، فلم تكن وفاته إلا ضريبة خيار بطولي أمام سلطة لها ماضٍ أسود في انتهاكات حقوق الإنسان لم يقع بعد معالجته بشكل جذري.

يستشهد اليوم تامالت وسيذكره التاريخ دائمًا كشهيد الكلمة الحرّة في الجزائر.

اقرأ/ي أيضًا:
إيقاف برنامجين سياسيين ساخرين في الجزائر
الدول العربية بعد 68 سنة من ميثاق حقوق الإنسان