15-ديسمبر-2016

حافلات الترحيل القسري قرب الراموسة (أ.ف.ب)

أسدل الستار أخيرًا على فصول المأساة الإنسانية، التي عصفت بالمدنيين المحاصرين داخل الشطر الشرقي لمدينة حلب، بعد الحملة العسكرية العنيفة التي شنها النظام السوري مصحوبًا بالميليشيات الطائفية والقوات الروسية، لاستعادة السيطرة عليها، وتمكن من محاصرة قوات المعارضة داخل ما يقارب 2.5 كم، قبل أن يتم التوصل لاتفاق نهائي برعاية تركية-روسية، استبقه اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

أبرز الخلاف الإيراني-الروسي حول عملية التفاوض مع المعارضة السورية، عدم تشاركهما الرؤية نفسها لما يحدث في حلب

عملية إجلاء المصابين، ومقاتلي المعارضة مع عوائلهم، ومن يرغب من المدنيين الخروج إلى مناطق سيطرة المعارضة في شمال سوريا، رافقها تأرجح في عملية التنفيذ، التي كان من المزمع أن تبدأ، أمس الأربعاء، لو لا اعتراض إيران على الاتفاق، وفتح ميليشياتها النار على القوافل التي كانت تهم ظهر الأمس بمغادرة الأحياء المحاصرة.

اقرأ/ي أيضًا: مائة ألف مدني معرضون للموت داخل حلب

وأبرز الخلاف الإيراني-الروسي حول عملية التفاوض مع المعارضة السورية، عدم تشاركهما الرؤية نفسها لما يحدث في حلب، بعد طلب إيران إجلاء المصابين من بلدتي (كفرية، والفوعة) المواليتين للنظام السوري، والمحاصرتين في ريف إدلب، من قبل تحالف "جيش الفتح"، بحسب ما أكدت وكالات أنباء عالمية نقلًا على لسان مسؤولين في المعارضة السورية المسلحة.

الاتفاق الذي تعطل، أمس الأربعاء، قبل أن يجري الرئيسان التركي والروسي اتصالًا هاتفيًا، وأنهى الجدل الدائر حول بنوده، رافقه تطور عسكري، أشبه بورقة ضغط أخيرة، كانت المعارضة السورية تريد استخدامها، عندما فجرت عربتين مفخختين بتجمع لقوات النظام والميليشيات الطائفية في منطقة "جسر الحج" الذي استعاد النظام السيطرة عليه مؤخرًا، أعقبها تأكيد، لأبي اليقظان المصري، أحد الشرعيين الذين انشقوا عن حركة "أحرار الشام الإسلامية" مؤخرًا، أكد من خلاله أنه "بعد فشل المفاوضات مع الروس بدأ زحف المفخخات من قلب حلب المحاصرة".

وتعثرت صباح اليوم الخميس، أولى عمليات الإجلاء للمصابين من داخل الشطر الشرقي المحاصر، بعد أن قامت الميليشيات الطائفية بفتح نيرانها على متطوعي الدفاع المدني، الذين كانوا يعملون على فتح الطريق للقوافل، ما أسفر عن إصابة خمسة أشخاص على الأقل، وفق ما نقلت الصفحة الرسمية لمديرية "الدفاع المدني في حلب"، إلا أن الروس تداركوا الأمر سريعًا، عندما أعلنوا أنهم سيردون على أي جهة تقوم بإطلاق النار، من بينهم قوات النظام والميليشيات الطائفية، وفق ما نقلت قناة "الجزيرة".

بعد هذا التعثر، تم استئناف عملية الإجلاء، حيث أعلن أحد مفاوضي المعارضة في حلب، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر أن "وصول أول قافلة مهجرين من مدينة #حلب إلى المناطق المحررة في ريف #حلب الغربي بعد اتفاقية أبرمت بين الثوار وروسيا".

وقالت عديد وسائل الإعلام المحلية والغربية، نقلًا عن مصادر مختلفة، أنه من المتوقع أن يتم إجلاء أكثر من ألف مصاب، فيما رجح مستشار الأمين العام للأمم المتحدة في الشؤون الإنسانية، يان إيغلاند، خروج ما يقارب 50 ألف مدني ومقاتل من المعارضة السورية، إلى مدينة "الأتارب" في ريف حلب الغربي، وبعدها يختار الخارجون وجهتهم.

ووفق ما أوردت وكالة "الأناضول" التركية، نقلًا على لسان رئيس الهلال الأحمر التركي، كرم قنيك، فإنه سيكون من أولوياتها نقل الجرحى إلى المستشفيات التركية، مؤكدًا أنهم يعملون على تجهيز مخيم قرب الحدود السورية-التركية لاستقبال من 90 وحتى مائة ألف مدني، في الوقت الذي أعلن منسق "هيئة الإغاثة الإنسانية" التركية (IHH)، أرهان يملاك، للوكالة عينها أنهم جهزوا "مطبخًا متنقلًا كبيرًا لإعداد الطعام الساخن، وفرن خبز، و30 ألف طرد غذائي لتلبية احتياجات الذين سيتم إجلاؤهم من المدينة"، إلى جانب المساعدات الطبية، وفرن آلي ينتج نحو مائتي ألف رغيف خبز يوميًا.

وعكس الاتفاق الأخير الذي أفضى لخروج مقاتلي المعارضة والمدنيين من الشطر الشرقي المحاصر، حجم التقارب التركي-الروسي في الشأن السوري، وإمكانية التوصل لوقف شامل لإطلاق النار في عموم سوريا، وهو ما يتطلب ضمانات روسية من عدم خرق النظام السوري لمثل هذا الاتفاق، مثلما كان يفعل خلال المرات السابقة، ومنها اليوم صباحًا عندما بدأت مقاتلات حربية، يرجح أنها سورية، التحليق على علو منخفض، فاتحة جدار الصوت، في المنطقة التي يُنتظر وصول المدنيين من حلب إليها.

ويظهر أن التقارب التركي-الروسي، أدى أخيرًا إلى قطع أي أمل في التوصل لاتفاق مماثل بشأن سوريا، بين قطبي الحرب الباردة الولايات المتحدة وروسيا، بعد تصريح نائب وزير خارجية الأخيرة، سيرغي ريابكوف، عن تعليق المحادثات "بشأن سبل حل الأزمة في حلب"، بحسب ما نقلت وكالة "تاس" الروسية، ما يشير لانفتاح تركي-روسي على إنهاء مأساة السوريين الرافضين لنظام الأسد.

بعد خسارة حلب، أصبحت المعارضة السورية المسلحة بحاجة أكثر من أي وقت مضى، لإعادة ترتيب صفوفها، وتحقيق الاندماج

وكانت منظمات أممية وحقوقية، حذرت في وقت سابق من تنفيذ قوات النظام عمليات انتقامية بحق السكان الفارين من الشطر الشرقي إلى الأحياء التي يسيطر عليها النظام والميليشيات الأجنبية، فيما أوردت وكالة الأنباء الفرنسية، في تحقيق لها اليوم الخميس، أن النظام بدأ يسوق الشبان المتخلفين أو المطلوبين إلى جبهات القتال.

وقال رئيس فرع "الشرطة العسكرية" في حلب العميد حبيب صافي، في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية، إنه تم تجنيد نحو 700 شاب للقتال في قوات النظام، بعد أن يخضعوا لـ"دورات تدريب وإرشاد" على مدى سبعة أيام، ثم يتم نقلهم إلى كافة جبهات القتال.

اقرأ/ي أيضًا: حلب وتدمر..حسابات داعش ومعسكر الأسد

وأخذ التحقيق الذي نشرته الوكالة الفرنسية، منحى مختلفًا، عندما أظهر جاهزية جميع الشبان للقتال إلى جانب قوات النظام، أو حتى من خلال حديث عوائلهم، فيما حذرت منظمات حقوقية سورية من أن النظام سيقوم بزجهم على كافة جبهات القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في أماكن سيطرته في سوريا.

وفي تطور لافت يتعلق بمشاركة الفصائل المنضوية تحت لواء ميليشيا "الحشد الشعبي" العراقي في معارك النظام داخل سوريا، والتي تتلقى دعمًا على كافة الأصعدة من إيران، طالبت كتلة "ائتلاف متحدون للإصلاح" في البرلمان العراقي، في بيان صادر عنها صباح اليوم عينه، حكومة بلادها بسحب جميع مقاتلي ميليشيا الحشد من سوريا، واصفةً ما يحصل في حلب بـ"جريمة إبادة متكاملة الأركان"، ومؤكدة على أنها "مخالفة دستورية تستوجب المحاسبة".

أما فيما يتعلق بالمعارضة السورية المسلحة، فإنه يظهر عليها أنها أصبحت بحاجة أكثر من أي وقت مضى، لإعادة ترتيب صفوفها، وتحقيق الاندماج، تحت قيادة واحدة، لأن استعادة النظام السوري لمدينة حلب، تعطي مؤشرات أنه يريد الاستمرار في قضم المناطق الخارجة عن سيطرته شمالًا، رغم عديد التصريحات الدولية التي تطالب الأسد بالتنحي.

ومن المتوقع أن تدور عجلة طاولة المفاوضات بين المعارضة ونظام الأسد، بعد الانتهاء من عملية الإجلاء، التي من الممكن أن تستمر لمدة 24 ساعة على الأقل، ما يجعلها تحتاج ليومين، أو أكثر بقليل، حتى تتم بلورة معالمها، وهو ما يطرح تساؤلًا مرتبطًا ببنودها، وإن كانت فصائل المعارضة قد تحصل على حكم ذاتي في محافظة إدلب، أم أنها ستستمر في حرب أثبتت أنها خاسرة فيها عسكريًا، مع غياب أي دعم للأسلحة المتطورة، خشية وقوعها في أيدي التنظيمات الإرهابية، وهو ما أعرب عنه معظم الدول الفاعلة في الشأن السوري، على رأسها وزارة الخارجية الأمريكية، ويليها التدخل الروسي العسكري بشكل رسمي لصالح الأسد في سوريا، وقدم له دعمًا كبيرًا ليستعيد المدن والبلدات الخارجة عن سيطرته.

اقرأ/ي أيضًا: 

الأمم المتحدة تفشل في إنقاذ حلب..وداعش تطوق تدمر

حلب..معركة الأرض المحروق