09-يناير-2017

تظاهرة لنشطاء إسلاميين في الجزائر العاصمة (أ.ف.ب)

بعد 16 سنة من انشقاق التيار الإسلامي في الجزائر، عادت الأحزاب التي تفرعت من رحم حركتين كبيرتين وهما "النهضة" و"مجتمع السلم" إلى الاندماج والتوحد، قبل أشهر معدودات من تنظيم الجزائر للانتخابات التشريعية المقرررة قبل العاشر أيار/مايو المقبل.

بعد 16 سنة من انشقاق التيار الإسلامي في الجزائر، عادت الأحزاب التي تفرعت من رحم حركتي "النهضة" و"مجتمع السلم" إلى الاندماج

أحزاب التيار الإسلامي في الجزائر، تجد نفسها مرغمة على التوحد تحت غطاء حزبين تاريخيين، الأول وهو حركة النهضة التي شهدت عام 1999 انشقاقًا أنتج حزبين آخرين وهما حركة "الإصلاح الوطني" وحركة "العدالة والتنمية" وبذلك عودة الأخيرة إلى بيت حركة النهضة أي إلى وضع ما قبل 1999 في انتظار تحدٍّ آخر بإمكانية عودة حركة الإصلاح الوطني إلى حركة النهضة.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر..الإسلاميون يبحثون عن تحالفات في الانتخابات

أما الثاني فيتعلق بحركة مجتمع السلم (كبرى الأحزاب الإسلامية) في الجزائر والتي شهدت عام 2008 انشقاقًا كبيرًا تمخض عنه حركتا "البناء الوطني" و"جبهة التغيير"، لتعود هذه الأخيرة مجددًا للتوحد تحت إطار الحركة الأم (حمس) والعودة لما قبل 2008 في انتظار مساعٍ أخرى لعودة كتلة حركة البناء الوطني.

ويرى المتتبعون للشأن السياسي في الجزائر، بأن التيار الإسلامي في الجزائر تفجر منذ عام 1999 بسبب خلافات حول دعم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة منذ ترشحه في العهدة الرئاسية الأولى، علاوة على خلافات حول الشراكة السياسية مع السلطة في مرحلة معالجة آثار الأزمة الأمنية التي عاشتها الجزائر في التسعينيات بعد إقرار قانوني "الوئام المدني" و"المصالحة الوطنية" فضلًا عن خلافات داخلية حول الزعامة السياسية في تلك الأحزاب.

أزيد من 16 سنة من الانشقاق، ليعود الإخوة الفرقاء لحضن بيت حركة مجتمع السلم وهو ما يعتبره عبد المجيد مناصرة رئيس جبهة التغيير بـ"المنجز السياسي الهام" مبديًا رغبة القاعدة النضالية في الحزبين إلى العودة للبيت الكبير منذ سنوات، تصريحات مناصرة لـ"لتراصوت" جاءت عقب قرار مجلس الشورى للحزبين بالتصويت لصالح التوحد مجددًا، مؤكدًا أن الرئاسة التزمت بقرار القاعدة.

ورغم نفي مناصرة بأن وحدة جبهة التغيير مع حركة مجتمع السلم تحت غطاء سياسي واحد هدفه ليس التحالف الانتخابي مع اقتراب الانتخابات التشريعية بل هو "توحد أو اندماج في حزب واحد"، غير أنه أكد بأن "إكراهات الوضع السياسي الراهن والتحديات المقبلة"، التي تفرض على الحزبين العودة للعمل في نفس الإطار الواحد، خاصة عشية الاستحقاقات الانتخابية التي تتطلع لأن تسهم وحدتها السياسية في تحقيق منجز انتخابي مهم، والنجاح في الاستحقاقات القادمة.

اقرأ/ي أيضًا: الاحتجاجات في الجزائر..السلطة تطمئن والشارع متخوف

طموح كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر (حركة مجتمع السلم) في الانتخابات المقبلة تترجمه تصريحات رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري الذي قال إن عودة الوحدة بين الحزبين تهدف إلى ترميم كتلة الناخبين لتحقيق أكبر تقدم على مستوى الولايات الجزائرية والتوجه بقائمة واحدة بدلًا من قائمتين، كما تهدف أيضًا إلى "كسر المناورات السياسية وقطع الطريق أمام التزوير الذي عانى منه التيار الإسلامي في شتى الانتخابات التشريعية والمحلية السابقة".

قرأ الكثيرون، عودة الأحزاب الإسلامية إلى الوحدة والتخندق في حزبين إسلاميين بعد حالة التشتت بأنها "مصلحة انتخابية بامتياز"

من جهتها أعلنت حركة "النهضة" قبل أسبوعين وحدة اندماجية مع جبهة العدالة والتنمية، حيث يعتقد القيادي في حركة النهضة فاتح ربيعي أن الواجب يحتم على قادة هذا التيار أن يبذلوا ما استطاعوا من جهد لجمع الشمل وتوحيد الصف، وترميم ما هدم من سلم القيم، مضيفًا في تصريحات صحفية بأن الاجتماع المأمول لهذا التيار دون أساس من القيم والأخلاق سرعان ما ينهار كالبنيان الذي بني على شفا جرف هار، داعيًا القائمين على شؤون أحزاب التيار الإسلامي إلى النظر تجاه ما ينتظرهم من جهد، ومشيرًا إلى "أن "خسارة التيار الإسلامي في الجزائر ليست مقتصرة على مواقع سياسية، أو انحسار امتداده الشعبي وانكماش وعائه الانتخابي، وانكفاء كثير من كوادره على ذواتهم وانشغالهم بخاصة أنفسهم، بل الخسارة الكبرى أن تضيع قيم المشروع والأخلاق والمثل مع أول شقاق أو انشقاق سياسي داخل أحزاب التيار الإسلامي".

قرأ الكثيرون، عودة الأحزاب الإسلامية إلى الوحدة والتخندق في حزبين إسلاميين في هذا التوقيت بالذات، بعد حالة التشتت بأنها "مصلحة انتخابية بامتياز" تمليها الظروف السياسية التي تعرفها الجزائر، خصوصًا وأن السنوات التي مرت على حالة الانشقاق كانت كافية لعلاج الخلافات التي كانت في أطراف الجسم السياسي الذي أتعب التيار الإسلامي، وأضعفت تواجده في الساحة السياسية ورص صفوفه وقواعده في العمق المجتمعي الجزائري، وحسب هذه القراءة فإن الوقت كان دواء لحلحلة المشاكل التي أودت بالتيار الإسلامي إلى التشرذم والتفرقة والتمزق في أشكال "أحزاب" ولدت من رحم حركتين كبيرتين.

ولتعزيز هذه القراءة ترى بعض الأطراف أن المعترك السياسي القادم يحتاج إلى قوة التيار الإسلامي لترجيح كفة المعارضة السياسية ومنافسة قوى سياسية أخرى في الخارطة الحزبية في الجزائر.

اللافت أن استكمال مشروع الوحدة في الأحزاب الأم في التيار الإسلامي لم ينته بعد، فحركة مجتمع السلم التي استعادت إلى صفها كتلة "جبهة التغيير" ما زال يواجهها استرجاع كتلة ثالثة انشقت عن الحركة وهي كتلة "حركة البناء الوطني" من جهة، ومن جهة ثانية ما زالت حركة النهضة الأم التي استعادت كتلة حزب "العدالة والتنمية" في تحدٍّ لاسترجاع كتلة حركة "الإصلاح الوطني" أيضًا، وقد يأخذ الأمر وقتًا أطول، إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، لكن رغم ذلك فإن الإسلاميين يحدوهم الأمل في المشاركة في الانتخابات المقبلة بقوائم موحدة تجمع حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير والعدالة والتنمية والبناء الوطني والنهضة.

اقرأ/ي أيضًا: 

احتجاجات في الجزائر..غليان المواطن وخطر الفوضى

الجزائر.. قانون الموازنة يقسّم البرلمان؟