04-أغسطس-2015

ليس سهلاً على المستشار أن يكون مستشارًا (Getty)

يمارس نافذ قواص مهامه كمستشار إعلامي لرئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام، منذ تكليف الأخير بمهامه هذه. يتصرف كاسم على مسمى، حتى وصل به الأمر إلى استخدام نفوذه في قمع الإعلاميين، وطردهم من السرايا الحكومية، كما حدث في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة بعدما تلاسن رئيس الحكومة مع وزير الخارجية جبران باسيل، والتقطت الكاميرات، بالصوت والصورة، مستوى الخطابة "الرفيع" بين أعضاء الحكومة الواحدة. هي صلاحيات المستشار الإعلامي، التي ينالها بالتقرب من مراكز القرار التي تستشيره وتعينه في منصبه، ناطقًا باسم البلاط، ومدافعًا "أعمى" عن كل ما يصدر عنه.

يتمتع مستشارو رئيس الحكومة اللبنانية بامتيازات واسعة، منها استخدام سيارات المراسم والحرس الحكومي للمرافقة والحماية

في يوم تسمية النائب تمام سلام لرئاسة الحكومة، بدت الدنيا كأنها لا تسع مستشاره قواص. كان يقف عند باب قصر سلام في منطقة المصيطبة، متوترًا، حركته كثيرة، وكأنه لا يعرف ماذا يفعل. يشرف على أعمال التنظيف والصيانة لمدخل القصر، الذي امتلأ في الأيام الأولى لتكليف صاحبه بالزائرين بعدما هجروه لسنوات. حاول، بحرص، إبعاد الصحفيين عن التقاط صور التنظيفات والتصليحات، التي يرى أنها تؤثر على صورة رئيس الحكومة. بدا كـ"أم العريس"، يتابع كل التفاصيل، ويتصرف كما لو أنه لم يعد مستشارًا لتمام سلام النائب، بل أبعد بكثير: مستشار رئيس الحكومة تمام سلام. وهذا لقب لم يكن في حسابات قواص أبدًا. سقط عليه من السماء، كتفاحة نيوتن، أو كاكتشاف أرخميدس الذي دفعه إلى مغادرة حوض الاستحمام والصراخ: "أوريكا أوريكا".

منذ توليه منصبه راح قواص يشيع بأن زمن فارس الجميّل، مستشار رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، قد ولّى. وأن العلاقة بالإعلاميين ستتغير في عهده، خصوصًا أن عهد الجميّل شهد صدامات مع بعض الإعلاميين، وتمييزًا لبعضهم على حساب الآخرين. صمد الجميّل مستشارًا لميقاتي منذ كان في وزارة الأشغال في نهاية التسعينيات، وهو من فريق عمله الأساسي، أما قواص فكان مندوبًا في القصر الجمهوري أيام الرئيس الراحل إلياس الهراوي ثم كان مقربًا من اللواء جميل السيد، وظهر في المؤتمر الصحفي الذي قدم فيه السيد استقالته بعد اغتيال رفيق الحريري، ثم عاد ليصير مقربًا من النائب تمام سلام، إكمالًا لمسيرة والده الذي كان إلى جانب الرئيس صائب سلام، فضلًا عن أن أخاه يعمل مستشارًا، هو الآخر، في دار الفتوى.

ليس سهلًا على المستشار أن يكون مستشارًا. وغالبًا يتحدر المستشارون الإعلاميون من الوسط الإعلامي، وأحدهم، فضل عدم ذكر اسمه، متحدر من خبرة طويلة في الصحافة المكتوبة، عمل مستشارًا لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يقول إنه لم يتأقلم مع المنصب، لشعوره أنه كبّله، و"اضطرني إلى أن أصمت حتى لا أعبّر عن رأيي الشخصي، وتعطّل عقلي الصحفي المبرمج للبحث عن المعلومة، واشتغل العقل الرقيب الذي يضبط المعلومة ويكتمها". ويتمتع مستشارو رئيس الحكومة بامتيازات واسعة، منها استخدام سيارات المراسم والحرس الحكومي للمرافقة والحماية، وهذا كان يحدث بحسب مستشار ميقاتي، أيام الرئيسين السنيورة والحريري، "أما في أيام الرئيس ميقاتي، فإنه لم يقبل أن يستخدم المستشارون أيًّا من مقدرات رئاسة الحكومة، حتى أنه في المرسوم المرفق بعقد لتعيين المستشارين يحدد راتب المستشار بليرة لبنانية واحدة كي لا يكلّف الدولة، فيما يدفع من جيبه الخاص رواتب جميع مستشاريه".  يقول مستشار سابق لرئيس الجمهورية إميل لحود إن المستشار الإعلامي وظيفته أن يقدم للصحفيين إما خدمات، أو مالًا أو معلومات.

يقول مستشار سابق لرئيس الجمهورية إميل لحود إن المستشار الإعلامي وظيفته أن يقدم للصحفيين إما خدمات، أو مالًا أو معلومات

بعضهم يكتفي بتقديم الأخبار والمعلومات، وبعضهم يقدم المعلومات والهدايا والأموال، وقد يضيف إليها الخدمات. لكن في عهد لحود، يقول مستشاره السابق، لم نكن نقدم "لا المال ولا الخدمات ولا المعلومات"! معظم المستشارين الإعلاميين كما هو معروف، يتحدرون من الوسط الإعلامي والصحفي، والأمثلة كثيرة، كمي كحالة، مستشارة الرئيس الراحل إلياس الهرواي، ونهاد المشنوق، وزير الداخلية حاليًا، مستشار الرئيس الراحل رفيق الحريري، وعرفات حجازي المستشار السابق للرئيس نبيه بري، توفي قبل مدة قصيرة، وفيوليت خيرالله التي تركت شاشة "الأم تي في" لتصير مستشارة إعلامية لوزير المال المستقيل محمد الصفدي، وخضر طالب الذي ترك جريدة "السفير" لينضم إلى فريق مستشاري ميقاتي، وجورج غانم الذي ترك "الأل بي سي" ليصير مستشارًا لرئيس الجمهورية ميشال سليمان... وغيرهم الكثير الكثير من الزملاء الذين اختاروا طواعية ترك المهنة التي تعطيهم هامشًا واسعًا من حرية التعبير عن أنفسهم، ليكونوا ناطقين رسميين بألسنة السياسيين.

هنا يميّز الزميل موسى عاصي، المستشار السابق لوزير الدولة السابق إبراهيم شمس الدين، بين مستشار إعلامي يشتغل على الأمور اللوجستية المملة والسطحية، من دعوة الإعلام والإعلاميين إلى المؤتمرات الصحفية وصياغة البيانات وسواها من الوظائف المكتبية، ومستشار إعلامي آخر يعمل على تثقيف السياسي الذي يعمل معه، "ومدّه بالمعلومات اللازمة لمواجهة اسئلة الإعلاميين، والحرص على التدقيق في معالم خطاباته أمام الرأي العام، ولغتها ونبرتها، فضلًا عن أدائه". عاصي لا يجد تجربته مع "مهنة" المستشار مشجعة، ولا يكررها لو تسنى له ذلك، بل يفضل أن يبقى صحفيًّا نقديًّا، قادرًا على التعبير عن آرائه بحرية. في هذا يتفق عاصي مع خلدون الشريف، الذي يستشيره رئيس الحكومة من دون أن يكون مستشارًا: "رفضت أن أكون مستشارًا، لأن ذلك يضع لي سقفًا".

يُقال إن نهاد المشنوق كان كريمًا كرمًا حريريّا مع الصحفيين، وكان محبوبًا في صفوفهم أكثر من الحريري نفسه

هو كان مقربًا من ميقاتي، ولديه مكتب في السرايا بصفته رئيس لجنة الحوار اللبناني ــ الفلسطيني، ولهذا المنصب صفة استشارية بوجه أو بآخر. لكن الشريف حافظ، بعدم قبوله منصب "مستشار"، على هامش واسع في عدم النطق باسم ميقاتي أو غيره: "الموقف الذي يعجبني أدافع عنه، والذي لا يعجبني أنتقده".

مما يذكر في سياق المستشارين وعلاقتهم بالصحافة، حرص الرئيس الراحل رفيق الحريري الدائم على اختيار مستشاريه بعناية، إذ استطاع أن يوظف مستشارين من اليساريين والشيوعيين السابقين ممن كانوا "أعداءه" في السياسة. كما يُروى أن الحريري كان يشير إلى وزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق على أنه "دولة الرئيس"، بعدما مكنه من التواصل مع الصحفيين، وكان كريمًا كرمًا حريريّا مع الصحفيين، كما كان محبوبًا في صفوف الإعلاميين أكثر من الحريري نفسه.