05-يونيو-2018

تعيش المرأة المغربية تحت سطوة التقاليد والإقصاء الرسمي (Getty)

أن تكون فقيرًا في المغرب فهو أمر سيئ بالتأكيد، لكن الأسوأ والأكثر فظاعة هو حال الذين يعيشون في العالم القروي، أما النساء اللاتي يعشن في القرى المغربية فتلك قصة أخرى.

تعيش المرأة القروية في المغرب في وسط شديد القسوة، يعمه الفقر والجهل وشظف العيش كنتيجة لسياسات الإقصاء

حياة المرأة القروية في المغرب هي مسلسل مستمر من العذاب والغبن، يبدأ منذ ولادتها حتى آخر يوم في حياتها، ذنبها الوحيد أنها سقطت في قرية مغربية وأولدت أنثى، فكما يقول الباحث العربي الوافي، "المرأة القروية هي ضحية إقصاء مركب، إذ تعاني بشكل مزدوج أي كجنس وكقروية".

فمن جهة تعيش المرأة القروية في وسط شديد القسوة، يعمه الفقر والجهل وشظف العيش كنتيجة لسياسات الإقصاء. ومن جهة أخرى، تولد في بيئة اجتماعية تسيطر عليها الخرافة والرؤية الذكورية التسلطية، مما يجعل حياتها تحت الانسحاق الدائم بين سندان الجغرافيا ومطرقة العادات والتقاليد.

نعيمة هي واحدة من نساء المغرب العميق بإحدى قرى منطقة تافيلالت في المغرب، حيث يعشش الفقر المدقع بكل أبعاده الاقتصادية والاجتماعية، تحكي لـ ألترا صوت: "منذ أن كنت صغيرة وأنا لا أتجاوز السابعة من عمري، كنت أقوم بأعمال البيت وخارج البيت؛ أكنس باحة منزلنا الطيني، وأعد الطعام، وأغسل الأواني والملابس، كما أخرج لأجلب الماء من الساقية البعيدة عن البيت، وأرعى الغنم في الصباح الباكر، وكثيرًا ما أذهب إلى الغابة لكي أجمع الحطب وأحمله إلى الدار بنفسي أو لآتي بحشائش للبهائم التي نربيها في قفة".

تردف نعيمة متأثرة: "كنت أحب الذهاب إلى المدرسة، لقد كانت شيئًا جديدًا بالنسبة لي آنذاك، عندما أنهيت المرحلة الابتدائية، بكيت كثيرًا، لأني لم أستطع أن أكمل دراستي، فقريتنا ليس بها مدرسة إعدادية، وأبي لا يملك المال ليرسلني بعيدًا لأتمم دراستي، فاضطررت للانقطاع عن المدرسة، وبعد فترة وجيزة قاموا بتزويجي وأنا في عمر 15 سنة".

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. موجة غضب ضد "ماكياج" العنف المنزلي

تلك إذًا هي حياة جيل كامل من النساء القرويات الكادحات. وإلى اليوم لا تزال قرى المغرب، بنسائها ورجالها وأطفالها، تئن تحت وطأة سياسات القهر والتهميش، فهذا الجزء من البلاد، الذي تتجاهل السياسات الحكومية والقنوات الإعلامية الرسمية مشاكله تمامًا، يحتضن وحده، بحسب تقرير البنك الدولي والمندوبية السامية للتخطيط، قرابة 80% من مجموع فقراء المملكة الذين يقبعون تحت عتبة الفقر ويعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، و47.7% من سكان الوسط القروي هم أميون لا يعرفون الكتابة ولا القراءة.

فضلًا عن غياب خدمات المرافق الاجتماعية الضرورية في كثير من المناطق القروية، من ثانويات ومستشفيات وسكن لائق وشبكات صرف صحي، بل لا تزال هناك قرى في القرن الواحد والعشرين تعيش في عزلة تامة بدون طرق ولا ماء ولا كهرباء، مما يجعل العيش في هذه الأوساط القروية أشبه بحياة الكهوف البدائية، المليئة بالمعاناة والعمل الشاق والجوع، في حرمان تام من ثمار الحضارة البشرية وموارد البلاد الطبيعية ولو قليلًا.

ويزداد الأمر فظاعة مع النساء تحديدًا، حيث تنضاف إلى أوضاع العيش المزرية في القرية عوامل القهر الاجتماعي، فالمرأة هناك تنشأ في وسط ثقافي مشبع بالقيم الذكورية، تبقى فيه المرأة مجرد تابع لسلطة الرجل، سواء أكانت ممثلة في سلطة الزوج أو الأب أو الأخ، لتعكس تلك العلاقة غير المتكافئة بينها وبين الرجل داخل الأسرة وداخل المجتمع القروي ككل، مقيدة بسلاسل التقاليد والعادات التي تكبل حريتها من كل جانب.

ومن ثمة فإن وضع المرأة القروية في المغرب هو محصلة للظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحكم فضاء القرية، إلا أن السؤال الذي يطرح هنا، هو أين الدولة من كل هذا؟

حياة المرأة القروية في المغرب هي مسلسل مستمر من العذاب والغبن المركب

منذ الاستقلال كانت القرية خارج حسابات سياسات التنمية للحكومات المتعاقبة، التي كانت تركز اهتمامها فقط على العاصمة والمدن الكبرى، بينما البوادي كانت فقط مجرد خزان هائل يُستعمل في المحطات الانتخابية والمناسبات الوطنية، متناسين تحديث هذا الوسط الذي ظل يعيش في جهل وفقر مدقع، إذ عاش جيل كامل من سكان القرى المغربية، نساءً وأطفالًا ورجالًا، حياة بدائية في مساكن بدائية، بدون ماء ولا كهرباء ولا طرق ولا شبكات صرف صحي ولا تعليم ولا مستشفى.

اقرأ/ي أيضًا: الجنس والدين في السينما المغربية.. تابوهات غير مسكوت عنها

 ولم يتحسن الوضع قليلًا سوى مع بداية الألفية الجارية، نتيجة ضغط سياق العولمة والمنظمات الأممية الدولية، ومع ذلك لا تزال الهوة شاسعة بين وضع ساكنةالمدن ومثيلتها في القرى إلى اليوم، سواء من حيث أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية أو مدى استفادتها من خدمات الدولة وموارد البلاد الطبيعية، ما يعكس فوارق سحيقة بين المدينة والوسط القروي على مستوى توزيع الثروة والحقوق.

منذ الاستقلال كانت القرية خارج حسابات سياسات التنمية للحكومات المغربية المتعاقبة

كنتيجة حتمية لسياسات التهميش والإقصاء التي تنهجها الحكومات المغربية المتعاقبة تجاه العالم القروي، سواء تجلى ذلك في تركيز التنمية وخدمات الدولة على العاصمة والمدن الكبرى فقط، أو في المشاريع التنموية القروية التي تطلقها الحكومة ولا يظهر أثرها على أرض الواقع، بسبب سوء التدبير والنهب الذي يستفحل في البلاد، فضلا عن ملايير الدولارات من المساعدات الدولية لفائدة بوادي المغرب، التي لا يعرف أحد مصيرها.

كل ذلك يدفع ثمنه سكان القرى في حياتهم البائسة، خاصة المرأة القروية، التي وقعت ضحية ثقل مختلف أشكال التخلف مجتمعة، من فقر وأمية ومرض وفساد واستبداد وقهر اجتماعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المغرب.. إعلام يهين المرأة

نساء التهريب المعيشي في المغرب.. "الإذلال" كمهنة