06-يناير-2016

طفل سوري في الغوطة الشرقية (Getty)

حراك دبلوماسي نشط حول "الملف السوري"، شهدته أروقة السياسة الدولية في الأسابيع القليلة التي سبقت نهاية 2015، لا سيما بعد لقاءات فيينا، ثم اجتماع المعارضة السورية في الرياض، وصولًا إلى صدور القرار (2254) بالإجماع عن مجلس الأمن الدولي، متضمّنًا خطوطًا عريضة لخطة شاملة للتسوية السياسية في سوريا.

سرعان ما انتهت موجة التفاؤل بالحل في سوريا مع التصعيد الخطير بين إيران والسعودية

تفاءل كثيرون نتيجة تلك التطورات، إذ رأوا فيها محاولة جادّة من القوى الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة وروسيا، للعمل على إنضاج "حل سياسي" ينهي الصراع الدائر في بلد ممزّق منهك، تسود فيه حالة عجائبية، تمتزج فيها الثورة بالحرب الأهلية والمشاريع الجهادية، على أرضية زلقة من تناقض المصالح الدولية والإقليمية.

غير أنّ موجة التفاؤل هذه لم تستمر طويلًا، حيث حمل العام الجديد (2016) تصعيدًا خطيرًا بين الجارين اللدودين، إيران والسعودية، بلغ حدّ إعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن قطع علاقات بلاده الدبلوماسية مع طهران، على خلفية مهاجمة متظاهرين إيرانيين لسفارة بلاده في إيران خلال مظاهرات اندلعت هناك احتجاجًا على إعدام السلطات السعودية رجلَ الدين الشيعي نمر النمر. وباعتبار أنّ للجانبين الإيراني والسعودي دورًا مؤثّرًا في سوريا، حيث يدعم الأول نظام الأسد ويقاتل إلى جانبه مقابل دعم الثاني لمعارضيه على كافة المستويات، ستنعكس الأزمة الحالية بينهما بالتأكيد على مسار العملية السياسية المزمع إجراؤها بشأن التسوية في سوريا.

على أنّه من غير المنصف تحميل الخلاف السعودي الإيراني الحالي وحده مسؤولية فشل "الحل السياسي" في سوريا، بل لعلّه جاء مخرجًا سيُعفي من الإحراج أولئك الذين أحرجتهم ضغوطات القوى الكبرى للقبول بعملية تفاوضية من المفترض أن تنطلق بعد نحو أسبوعين.

ينطلق هذا الكلام من حقيقة أنّ الأطراف المحلّية المتحاربة على الأرض السورية، سواء المعارضات المسلحة المختلفة أو النظام والميليشيات المتحالفة معه، لا زالوا متمسكين بأوهام "الحسم العسكري"، ويعتقد كلّ طرف أنّ الحرب طويلة الأمد تمضي في صالحه.

تتعزّز هذه الأوهام مع كلّ تقدّم ميداني يحقّقه أيّ من المتحاربين على هذه الجبهة أو تلك، إضافة إلى رهان كل فريق على ضعف الخصم والخلافات الداخلية في معسكره، عدا عن اتّكاء كل منهما إلى واقع فشل الآخر في تحقيق أهدافه، إذ لم تنجح المعارضة في إسقاط النظام، ولا استطاع الأخير استعادة السيطرة على المناطق التي خسرها، مع استمرار قدرته على الإمساك بالعاصمة وأجزاء من ريفها، إضافة إلى مراكز المجافظات الرئيسية: حلب، حماة، حمص، السويداء، وكافة مدن الساحل السوري.

الأطراف المحلّية المتحاربة على الأرض السورية لا زالوا متمسكين بأوهام "الحسم العسكري"

تلك الحقائق هي ما أعاق وأخّر قبول هؤلاء الجلوس إلى طاولة المفاوضات طيلة السنوات الماضية. وعندما أراد اللاعبون الكبار (روسيا والولايات المتحدة) إعادة ترتيب الصراع وفق قواعد جديدة، كان لا بد من التوافق بينهما، وإن كان في الحدود الدنيا، لجرّ الخصوم السوريين إلى مائدة التفاوض. ولتحقيق هذا الهدف ارتضت الولايات المتحدة أن تُسحب مسألة "مصير الأسد" من التداول خلال اجتماعات فيينا، وكذلك إغفالها في القرار الصادر عن مجلس الأمن، والذي جاء بعد مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، متجاهلاً ما تضمنه بيان ذلك المؤتمر بشأن رحيل الأسد وزمرته عن السلطة كمقدمة للحل السياسي.

يبقى القول، إنّ دعم مختلف القوى لأطراف النزاع السوري، بذريعة الحرص على الشعب السوري، ليس سوى غطاء زائف لسعيها الحفاظ على مصالحها وتعزيزها. وإنّ السلام في سوريا لن يتحقق ما لم يدرك اللاعبون الإقليميون والدوليون أنّ المصلحة المشتركة لهم جميعًا تتمثّل في وضع حدّ للكارثة السورية، لأنّ استمرار الوضع الحالي مقامرة خطرة، سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى اشتعال المنطقة برمّتها، ما يعني مزيدًا من بقاء الإرهاب وتمدّده.

اقرأ/ي أيضًا:

سوريا غير الطبيعية

سوريا تواصل تصدير أزمتها للعالم