17-يوليو-2016

الفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا

بين الحين والآخر أحاول مجاراة الواقع العربي "الدرامي"، إن صح التعبير، فأشاهد ما تبثه المحطات العربية من نتاجات متنوعة، مصريًا أو سوريًا أو خليجيًا، وأتابع بشغف كل تلك الانتقادات التي قد تصل لحد التجريح أحيانًا، متناولة ضعف الأعمال المنتجة وهبوطها، حتى يغدو العمل الجيد نادرًا كالألماس، بل يبدو العمل العادي رائعًا كنسبة وتناسب، غير أنه في حقيقة الأمر عمل ضعيف فنيًا مع ما كان يقدم في العقود الماضية من مستويات فنية راقية، تصل إلى حد الإدهاش أحيانًا في سنوات سابقة، لاعتماد النتاجات القديمة على أفكار صلبة حية وقوية وعلى منفذين مهرة ومواهب رائعة، وكمحاولة مني للابتعاد عن أي انتقاد تقليدي، فقد رأيت أنه من اللطيف تذكر تجارب سابقة لعل الذكرى تنفع "العاملين"، ولا ندعي الإحاطة بالمعرفة، خاصة وأننا ننتمي لبيئة بعيدة نسبيًا، ولكن محاولتنا في رصد بعض التجارب قد تغني ولا تفقر وتنفع ولا تضر. 

يعد تاريخ الفن المسرحي الكويتي أكبر انعكاس للواقع الكويتي بشكل خاص، والخليجي بشكل عام

وتنفيذًا وإيمانًا منا بمقولة العبقري تاركوفسكي "ليست مهمة الفن الإجابة عن الأسئلة بل طرحها"، لنأخذ كمثال أول سنعتمده في هذه المقالة بلدًا صغير المساحة وقليل عدد السكان كالكويت. تاريخ الفن المسرحي الكويتي هو حتى سنوات مضت يعد أكبر انعكاس للواقع الكويتي بشكل خاص، والواقع الخليجي العربي بشكل عام. فقد تألق الفن الكويتي في ستينيات وسبعينيات وحتى الثمانينيات من القرن الماضي بشكل ملفت، وقدم للعالم العربي أكثر الأعمال أهمية أثرت في جميع الأعمار، من شخصية نعمان التي قدمها الممثل والمخرج عبد لله الحبيل، وصولًا إلى عبد الحسين عبد الرضا الذي قدم مجموعة من المسرحيات التي انتقدت ظواهر دخيلة على المجتمع الخليجي كاكتشاف النفط والزواج من غير الخليجيات، والغزو العراقي للكويت وما تبع ذلك من هزات في المجتمع الكويتي، بإطار كوميدي جامع. وقد تخرج من مدرسته عدة فنانين لكنهم مع الأسف لم يصلوا في أعمالهم إلى مستوى الأول، ذلك لافتقار تلك الأعمال لقضايا كبرى تتمحور حولها.

اقرأ/ي أيضًا: محمد فلّاق.."الكوميديا في زمن الموت"

وقد كانت البداية الفعلية المهمة لانطلاق مسرح مختلف عن الشكل الشعبي في الكويت مع انطلاقة "فرقة المسرح العربي" في 1961، واللافت انضمام فنانتين من العنصر النسائي للفرقة، ما أضفى عليها ميزة خاصة، وهما مريم الصالح ومريم الغضبان، إذ شكل هذا الانضمام خرقًا لما هو سائد عن اشتراك المرأة في العمل الفني في الأوساط الخليجية. 

وبدأ العمل المسرحي يتطور بسرعة فائقة مقدمًا مسرحيات لاقت نجاحًا في كل العالم العربي كـ"باي باي لندن" و"مراهق في الخمسين" و"سيف العرب"، وامتد هذا التألق ليصل إلى التلفزيون فقد قدم الثنائي سعاد العبد لله وعبد الحسين عبد الرضا مجموعة من الاسكتشات الغنائية الناجحة، من "أوبريت شهر العسل" و"ما قبل الزواج" و"بساط الفقر". وبدأ يظهر عنصر النسائي حاضرًا لتقود بطولات حقيقية فارقة مثل العمل الفكاهي "محبوبة ومبروكة" و"خالتي قماشة" ما يعكس حتى الآن حجم الحضور النسائي المتميز في الأعمال الخليجية. 

وقد أضاف تنوع القضايا التي ألقى الفن الكويتي الضوء عليها أرشيفًا ممتعًا، ومع توفر العنصر المادي تحولت الكويت إلى مصنع للإنتاج الفني، إذ تبنت إنتاج عدة أعمال ومجموعة ضخمة من الأفلام العربية مما شكل تنافسًا مع الذات. فجاء عمل "درب الزلق" ليتحول إلى أيقونة درامية كوميدية فارقة في عالم الكوميديا العربي. 

شكلت البيئة الكويتية الكوميدية مدرسة تأثرت بها الكثير من الأعمال الدرامية

اقرأ/ي أيضًا: نبتدي منين الحكاية.. هل هذه دمشق فعلًا؟

طبعًا لم تسلم الحركة الفنية الكويتية من المحاربة، لكنها كانت أخف من باقي مناطق الخليج، ربما تبلورت كل الضغوط المطالبة بوقف الحركة الفنية في ما يخص مسرحية "هذا سيفوه" التي منعت من العرض، وأحيل فريق عملها للمحاكمة لأنها، كما اعتبر مهاجموها، تنتقد قضايا التجار وعلاقاتهم مع المبعوث البريطاني في مرحلة ما قبل النفط. وبدعم من التيار الديني تم حظر العمل كله، ومع منع تصوير هذا العمل، افتقر النقاد إلى دليل مادي حول هذا العمل. الأهم أن هذه الحادثة كانت نقطة تحول في المشروع الفني الكويتي ككل، إذ أنشأت بيئة خصبة للرقابة، خاصة بعد أن حكم على بطل العمل الفنان عبد الحسين عبد الرضا بالسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ.
 
لا يزال العمل الفني الكويتي متميزًا عن غيره من الأعمال الفنية الخليجية، وإن حدثت بعض السقطات الفنية نتيجة الاندفاع لتقديم أعمال فنية كثيرة في وقت قصير إلا أنه مبني على تاريخ من التراكم الفني التصاعدي، يثمر بين الحين والآخر عن أعمال فنية ممتازة وملفتة. وقد شكلت البيئة الكويتية الكوميدية مدرسة تأثرت بها أعمال عدة مثل "طاش ما طاش" في السعودية، الذي لاقى نجاحًا ملفتا لتصديه لقضايا حساسة في المجتمع السعودي.

اقرأ/ي أيضًا:

مسلسل "الندم".. ولكن ما سبب "الأزمة"؟

سينما السبكي التجارية.. احتكار موسم العيد