10-أبريل-2016

مهجرون عراقيون من أبناء الأقليات الأيزيدية والمندائية يتظاهرون في هامبورغ ضد داعش (Getty)

"لن أفكر بتغيير ديني مثلما غيره والدي، لكنني متخوف من الأخبار التي تقول إنني ممنوع من حرية اعتناق الدين وعليّ اتباع والدي"، يقول سامر بسيم (16) عامًا رافضًا الانصياع لرغبات غيره بتغيير ديانته الأساس (المندائية) واعتناق الإسلام مثل والده.

تسهم عملية إعادة إنتاج القوانين الشمولية التي استخدمها نظام البعث، بترسيخ ثقافة إلغاء الآخر التي يسير عليها عراق ما بعد 2003

قبل 17 عامًا، قرر بسيم بهيرا (الاسم مستعار) والد سامر تغيير ديانته من المندائية إلى الإسلامية. زوجته لم تذكر أسباب اعتناقه الإسلام. تقول : "تزوجته وهو على الديانة الإسلامية، لكنه لم يكشف لأحد حتى الآن أسباب تركه المندائية".

اقرأ/ي أيضًا: خلاف المرجعيات بين النجف وقم..العراق لمن؟

سامر وبحسب المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية الذي أقره مجلس النواب العراقي في الثالث والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2015، فإنه سيتبع تلقائيًا الدين الذي اعتنقه والده بعد المندائية.

ويرى ابن الستة عشر عامًا والذي يُصنف بحسب اتفاقية حقوق الطفل الدولية العام 1989 "طفل"، أن :"رغبته حتى الآن لا زالت باعتناق الدين الذي وجد عليه والدي أبيه، وليس الذي تحول إليه والده".

وتنص المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية الموحدة: "يجوز لغير المسلم تبديل دينه وفقًا للقانون، ويتبع الأولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الإسلامي من الأبوين".

سامر واحد من مئات الأطفال الذين قد تحرمهم المادة (26) من حرية الاعتقاد، رغم أن الفقرة ثانيًا من المادة الأولى في الدستور العراقي النافذ تنص على: أن "هذا الدستور يضمن الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والإيزديين، والصابئة المندائيين".

ولم يخالف مجلس النواب العراقي الفقرة ثانيًا من المادة الثانية من الدستور العراقي فقط، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، وقفز على المادة (42) كذلك التي تنص على أن: "لكلّ فرد حريّة الفكر والضمير والعقيدة".

ويقول النائب المسيحي في البرلمان العراقي يونادم كنا: إن "المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية الموحدة، يُسهم في خلق بيئة غير ديمقراطية وخالية من حرية المعتقد والديانة، فهو يُجبر الأطفال على اعتناق ديانة غير التي يريدونها هم، وبالتالي سيشكل نقطة سلبية في تأريخ العراق الحديث".

ويضيف أن: "هذه المادة تُعيد استنساخ مادة وضعها نظام حزب البعث في سبعينيات القرن الماضي، وهذا دليل على استمرار النهج لإفراغ العراق من الديانات الأخرى غير الإسلامية، من قبل قوى إسلامية راديكالية، لذا لن نسمح بإبقاء هذه المادة على حالها".

واستنسخ مجلس النواب العراقي الحالي تجربة مجلس قيادة الثورة المنحل، الذي وضع في قانون الأحوال المدنية رقم 65 لسنة 1972 المعدل، فقرة في المادة الحادية والعشرين منه تنص على أن: "يتبع الأولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الأبوين".

وتُسهم عملية إعادة إنتاج القوانين الشمولية التي استخدمها نظام البعث في العقود الماضية، بترسيخ ثقافة إلغاء الآخر التي ما زالت تسير عليها العملية السياسية التي تشكلت في عراق ما بعد 2003، فلم يكن للأقليات والديانات الأخرى غير الإسلامية، سوى ذكر على حرية المعتقد في الدستور، وحتى هذه تخالفها القوانين الساعية للحد من وجودهم، المشرعة من قبل الكتل السياسية الكبيرة.

الخبير القانوني حسام الحاج، يقول إنه: "من الناحية التشريعية لا وجود ضروري لتكييف مثل هذه المادة في قانون، لأنها تمس حرية المعتقد الذي كفله الدستور، كما أن حالات تغيير الديانة من وإلى الإسلامية نادرًا ما تحدث، لذا فإن تنظيم هذه الحالات بهذه الطريقة يعتبر مساسًا مباشرًا بحرية المعتقد وحرية اعتناق الأديان، ودليلًا على أن من كتب القانون استند إلى قوانين شرعها النظام السابق بعقلية دكتاتورية".

لا فرصة أمام الأقليات في العراق، إلا بحماية من الحكومة، فهم لقمة سهلة أمام الجماعات الإسلامية المتطرفة، كما أنهم مغيبون في العملية السياسية

ويضيف أن: "مثل هكذا قوانين لا تتناسب مع النظام الديمقراطي الذي يفترض أن يسير عليه العراق الجديد، بل يتناسب مع أنظمة دكتاتورية قمعية". ويؤكد أن: "هذه المادة ستخلق حالة من النفور لدى الديانات الأخرى من البقاء في العراق، لأنها جاءت من جهل المشرع بأهمية حرية الدين والمعتقد".

ويتعارض تشريع المادة 26 في قانون البطاقة الوطنية الموحدة الذي أقره البرلمان مؤخرًا، مع المادة الثالثة من الدستور العراقي التي تنص على أن: "العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وكذلك مع المادة 14 التي تنص على أن العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس ،أو العرق، أو القومية ،أو الأصل، أو اللون ،أو الدين ،أو المذهب ،أو المعتقد ،أو الرأي، أو الوضع الاقتصادي، أو الاجتماعي. وفي بيان نشره في موقع حزب الفضيلة الإسلامي، أكد رئيس كتلة الحزب في البرلمان العراقي، عمار طعمة، إصرار كتلته بأن: "المادة 26 متطابقة مع الدستور ولا يمكن إلغاؤها لأن ذلك يمثل مخالفة لثوابت الإسلام التي اشترط الدستور العراقي عدم تشريع أي قانون يتعارض معها".

اقرأ/ي أيضًا: سلمان في القاهرة..السعودية تحاول ضرب إيران من مصر

وتجد النائبة الإيزيدية في البرلمان العراقي، فيان دخيل، غرابة في إصرار مجلس النواب بالإبقاء على الفقرة الخاصة بالديانة في قانون البطاقة الوطنية، وخلق حالة من الاضطهاد التشريعي للأقليات الذين يعانون من اضطهاد الإرهاب والجماعات المتطرفة.

تقول إن: "هناك إجحافا بحق الأقليات في تشريع هكذا مادة، فهي ستمنع الأطفال من التعرف على دياناتهم الأساسية، كما تمنعهم حتى من اعتناقها، وهذا مخالف للدستور العراقية ولمبادئ حقوق الإنسان، لذا فإن وجود المادة 26 في قانون البطاقة الوطنية الموحدة، جزء من عمليات إنهاء وجود الأقليات لكن بطريقة مقننة".

العراق الآن، يُعتبر من البلدان الطاردة للأقليات، فالإحصاءات التي أصدرتها مؤسسة مسارات، وهي المؤسسة الوحيدة المدافعة عن حقوق الأقليات في العراق، تُشير إلى أنه: "لم يبق في العراق سوى ستّة أشخاص من اليهود بعدما كانوا أكبر أقليّة في الشرق الأوسط في بدايات القرن الماضي، وما يقارب 240 ألف مسيحيّ بعدما كانوا أكثر من مليون عند غزو العراق في عام 2003، وخمسة آلاف من المندائيين بعدما كانوا أكثر من 50 ألف في عام 2003، كماتناقص عدد الإيزيديّين من نصف مليون تقريبًا في عام 2003 إلى أعداد ضئيلة غير معلن عنها بعد الإبادة التي واجهوها على يدّ تنظيم "داعش".

لا فرصة أمام الأقليات في العراق، إلا بحماية من الحكومات العراقية والمجتمع الدولي، فهم الآن لقمة سهلة أمام الجماعات الإسلامية المتطرفة، كما أنهم مغيبون تقريبًا في العملية السياسية التي دفعت الأحزاب الكبيرة شخصيات موالية لها ليكونوا ممثلين لتلك الأقليات التي لا زالت حقوقها غائبة، ووجودها مهدد بالانقراض على المدى القريب.

*فازت هذه المادة ضمن مسابقة (جائزة صحافة الدفاع عن التعددية) التي نظمتها مؤسسة مسارات العراقية الخاصة بشؤون الأقليات ودعم من مؤسسة هارتلاند الأمريكية الدولية. ونشرت هذه المادة، بالتنسيق مع مؤسسة مسارات الخاصة بشؤون الأقليات.

اقرأ/ي أيضًا: 

ماذا بعد هزيمة داعش؟

وثائق بنما تطال المغرب أيضًا؟