25-مارس-2016

مخيم لاجئين في الصومال

كان التغير الباكر للموقفين التركي والباكستاني حول دعم حملة "عاصفة الحزم" العسكرية مؤشرًا مهمًا لما هو ممكن، وما ليس بالممكن الدخول فيه من قبل دول ذات وزن في المنطقة، ومع تصاعد الحديث الإيراني عن كون الحملة بداية لتفكيك كيانات سياسية في شبه الجزيرة العربية، وحالة الكر والفرّ الحاصلة في اليمن، إضافة للتدهور المتسارع للأوضاع في سوريا لغير صالح قوى المعارضة المسلّحة جملة واحدة، قد خلق وضعًا حرجًا للغاية بالنسبة للأطراف التي أعلنت توجسها الشديد من اتساع النفوذ الإيراني، كل ذلك مع ارتفاع الأصوات المشككة في جدوى الاستعانة بدول ذات اعتمادية اقتصادية على دول مجلس التعاون الخليجي، والتي على الرغم من اعتماديتها تحمل أجنداتها الخاصة بها قد تتصادم في أية لحظة ما يُفترضُ تقديمه من دعم عسكري وغطاء سياسي للتحركات الخليجية إلى الجنوب والشمال من الجزيرة العربية.

تهاون المنظومة العربية مع الأوضاع في الصومال قاد إلى هزيمة عربية جديدة لصالح المنظومة الإفريقية الأكثر اهتمامًا وتأثّرًا

ومع اختفاء الظهيرين؛ الشرقي "جمهورية باكستان الإسلامية"؛ والظهير الشمالي "جمهورية تركيا"، من ساحة العمل الدبلوماسي والإعلامي بخصوص "عاصفة الحزم"، بل وحدوث توتر في العلاقات مع الظهير الشرقي، تم تداركها لاحقًا عبر المشاركة في مناورات "رعد الشمال"، وما ظهر من التردد الواضح من قبل القيادة المصرية في المشاركة الفعلية في العمل العسكري، بدءًا بلازمة "إن لزم الأمر" التي أعقبت تصريحاتها، وصولًا إلى الإيماءات السياسية المدروسة نحو نظام الأسد، وعدم جدوى الاستعانة بدول الساحل الغربي للبحر الأحمر وخليج عدن خلا جمهورية السودان، في ظل حالة عجز الميزانيات التي تعانيها الدول المصدرة للنفط، والتي تجعل من الضروري الانتباه للكلفة الباهظة لأي عمل عسكري قد تشارك فيه أيٌّ من جمهورية مصر العربية أو المملكة المغربية، يظهر جليًا المأزق الذي خلقه التخلي العربي عن الصومال.

الأهمية الاسترتيجية للموقع الجغرافي للصومال مرّة أخرى

مما لا خلاف عليه أن انضمام جهورية الصومال إلى الجامعة العربية سنة 1974، لم يكن بعيدًا عن الأهداف الاسترتيجية التي رسمها العهد الناصري من ناحية، والعلاقة التقليدية الوثيقة لبر الصومال مع كلٍّ من الحجاز وتهامة وحضرموت وظفار، ما جعل من المستساغ طرح مبرر للانضمام تضمنه العلاقة الدينية والدموية، بين الأطراف العربية في جنوب وغرب شبه الجزيرة العربية إضافة لشرق السودان، والشعب الصومالي مع غياب الرابط الثقافي الأهم ألا وهو اللغة العربية!

اقرأ/ي أيضًا: المخيم ومضاعفة النكبة

إلّا أن تهاون المنظومة العربية مع الأوضاع في الصومال، نتيجة لمحاولة أطراف عربية عديدة الانفراد بالتدخّل، والمزاجية في التعامل مع تعقيدات الواقع الميداني والسياسي، وغياب زخم مماثل للذي عاشته المنطقة العربية خلال الفترة الناصرية، الذي طبعه التنافس "السعودي-المصري"، أو "الرجعي – التقدمي" بمصطلحات تلك المرحلة، كل ذلك قاد إلى هزيمة عربية جديدة، لصالح المنظومة الإفريقية الأكثر اهتمامًا وتأثّرًا، والتي غدت أكثر تأثيرًا على المجريات في شبه الجزيرة الصومالية.

ومع استمرار التجاهل العربي الرسمي لضرورات التدخل عبر الجامعة العربية، وتجنّب الأطراف القادرة على تحمّل تلك المسؤولية الواجبة على الجامعة تجاه أحد أعضائها، برزت أدوار لقوى إقليمية كبرى على الساحة الصومالية، مقدمّة إمكانياتها الكبيرة في تغيير الأوضاع في جنوب البلاد المضطرب، عبر التركيز على المشاريع الاقتصادية والدعم السياسي لوجود الدولة الصومالية، ممثلًا ذلك في الدور التركي، الذي كشف بجلاء اللامبالاة العربية التي بلغت حد التخاذل، بما كشف باكرًا عورة مقولات التضامن العربي والسعي لحماية سيادة البلدان المنضوية تحت المظلة الرسمية لهذا التضامن، دون أن تظهر في الأفق أي بارقة أمل، قد تحد من تدخّل قوى إقليمية أخرى فيما يجري في البلاد، مع ما يعنيه ذلك من تأثير على جنوب الجزيرة العربية وشرق إفريقيا ووادي النيل.

إعادة الصومال للوسط العربي ضرورة

إن الأحداث الحاصلة في اليمن اليوم، والعجز العربي الظاهر عن إيجاد حلٍّ لها، على أيٍّ من المستويات السياسية والعسكرية وتفاقم المأزق الناتج عن التحرك العسكري الحالي، يحيلنا إلى حالة التفكك التي تعيشها  المنظومة الرسمية العربية إن داخليًا او خارجيًا، وانفصام النظم الحاكمة في انفعاليتها، مع المصالح العليا لشعوبها أولَا، والأمة العربية ثانيًا.

كشفت الأوضاع الأخيرة في اليمن، غياب رؤية بعيدة المدى، لدى مجموع المنظومة العربية

إلّا أن ذلك لا يعني عدم إمكانية تصحيح الأوضاع في ظلّ وجود الإمكانيات كلها، بوضع مقاربة جديدة للأوضاع في النهاية الجنوبية الشرقية للأمة العربية، ممثلة في دعم الاستقرار في الصومال واليمن، عبر حصر بؤر التوتّر القديمة الحاصلة، والمساعدة على مكافحة الحركات المسلّحة، ورعاية عربية جدِّيَّة وحازمة، لتحقيق نتائج فعلية تضمن الوصول لحلول لإشكاليات طال أمد تجاهلها، والادّعاء بعدم تأثيرها على وجود واستمرار الدول والنظم العربية القائمة في الجزيرة العربية ووادي النيل.

اقرأ/ي أيضًا: كابوس بروكسل.. عصر انعدام الثقة

مخاوف من إخفاق عربي جديد بعد الصومال في اليمن وبعده في سوريا

لقد كشفت الأوضاع الأخيرة في اليمن، غياب رؤية بعيدة المدى، لدى مجموع المنظومة العربية، بصورة تهدد استمرار الوجود العربي ـ مستقبلًا ـ بالصورة التي نعرفها اليوم، إذ أنه في الوقت الذي كان يُفترض وجود تحرك عربي فاعل على الأرض في الصومال، لدعم الاستقرار في الصومال، وجلب أطراف النزاع والخلاف إلى طاولة الحوار شأن "مؤتمر الطائف" الذي عُقِدَ في المملكة العربية السعودية لجمع الأطراف المتناحرة في "لبنان" بداية التسعينيات ناحية، والبحث عن حلول سياسية للوضع المستجد في اليمن، فإننا نجد غيابًا عربيًا شبه تامٍ، عنوانه العمل الاسعافي والإغاثي الموسمي بالنسبة للصومال، وأن التدخل العسكري هو القائم في بلد ذي جغرافية شديدة الوعورة، ضمن  فسيفساء النفوذ القبلي والحزبي بالغة الدّقة، ناهيك عمّا عملت أطراف معيّنة بنجاح في تحقيقه من خلق لحالة طائفية مصطنعة تجاوزها المجتمع اليمني منذذ قرون طويلة.

اختلاف الكيانات السياسية في الصومال منصة لتعقيد الأوضاع في جزيرة العرب

من الصعب الاعتقاد بأن المحللين وصنّاع القرار قادرون على تجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا، في خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، كما أنه من غير الممكن توقّع غياب حقيقة أن شبه الجزيرة الصومالية، تمتلك الضفة الأطول المقابلة لجمهورية اليمن، مع السهولة البالغة في الانتقال والنقل بين الطرفين، بما أثبتته موجتا النزوح البشري من الصومال باتجاه اليمن سابقًا، ومن اليمن باتجاه الصومال مؤخرًا، في ظل الطول الكبير للسواحل اليمنية والصومالية المتقابلة، بصورة يصعب ضبطها ومراقبتها، فكيف ستكون الأوضاع في حال تم وصول طرف خارجي ـ ما ـ إلى اتفاق مع أحد الأطراف المسيطرة على الشواطئ الصومالية، لتسهيل مرور الرجال والإمدادات، إلى ساحات القتال الملتهبة في اليمن، ومنها إلى بقية مناطق شبه الجزيرة العربية عبر الربع الخالي وسلاسل الجبال؟! ومع واقع من ذلك النوع ما هو الممكن لضمان عدم اتساع دائرة الاضطراب التي أخذت منحى جديدًا في الطرف الجنوبي من جزيرة العرب؟

اقرأ/ي أيضًا: خرائط طريق أم مصائب وحفر؟

إيجاد حلول لإشكالية الوحدة والانفصال بالصومال للحد من تفاقم محتمل للأوضاع باليمن

تنقسم البلاد ما عدا مناطق نفوذ حركة الشباب المتطرفة إلى جزئين رئيسيين، أولهما كيانات تخضع للسلطة الإسمية للحكومة الفيدرالية، أهمها ولاية "أرض البونت/بونتلاند" على خليج عدن والمحيط الهندي قبالة جزيرة "سُقطرة" اليمنية، أما الجزء الآخر فالكيانٍ الانفصاليِّ الذي أعلن استقلاله عن الحكومة المركزية مطالبًا بالاعتراف الدولي منذ أكثر من عقدين باسم "جمهورية أرض الصومال/صوماليلاند" المطلة على معظم الساحل الشمالي الصومالي على خليج عدن.

ليس خافيًا أن ثنائية التعامل الإستخباري والإغاثي كانتا عنوان المقاربة العربية مع الشأن الصومالي

ومع استمرار التراجع الذي تشهده حركة الشباب المتطرفة، نتيجة للأعمال العسكرية التي تنفذها القوات الأفريقية والصومالية، فإنه من الضروري الانتباه إلى الحالة السياسية القائمة بين الكيانات السياسية المستقرة في البلاد، ولا شكّ في أن الكثير تم تحقيقه من خلال المحادثات التي تم عقدها في غير مكان "المملكة المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية التركية وجمهورية جيبوتي" بين حكومة جمهورية الصومال الفيدرالية، وحكومة جمهورية "أرض الصومال/صوماليلاند" المعلنة من طرف واحد، في سبيل فتح الطريق أمام حوار يمكن من خلاله، تسجيل الكثير من نقاط التوافق، وتوضيح نقاط الخلاف بين الطرفين داخليًا وخارجيًا.

تجاوز مرحلة التعامل الاستخباري والإغاثي مع الوضع الصومالي

ليس خافيًا أن ثنائية التعامل الإستخباري والإغاثي كانتا عنوان المقاربة العربية مع الشأن الصومالي، دون أن يجلب ذلك للبلاد أيَّ مكاسب على مستوى الاستقرار، والخروج من عنق الزجاجة على المستوى السياسي، فالدعم المقدّم للحكومة الفيدرالية لازال لا يتجاوز الحالة الخطابية، والمنح المعلن عنها لا تصل وما يصل غير مقدّم بالطريقة التي تضمن تحقيقه النتائج المستهدفة، بصورة تجعل تلك المنح والمساعدات المعلن عنها، أداة لتغذية الفساد المالي والإداري الحاصل في البلاد، وهو ما يجعل الاعتقاد بأن كل ما يجري إنما هو تنفيذ لأجندات استخباراتية تتعامل مع بلد كامل بشعبه وأرضه على أنه مستودع محض للمعلومات، وكأن الأطراف العربية غير معنية بالضحايا الذين يسقطون يومية نتيجة لما تقوم به جهات بتغذيته تمويلًا ودعمًا.

إن المطلوب في هذه المرحلة تخلي الأطراف العربية عن تحفّظاتها المصطنعة، والخروج من حالة رد الفعل المتخوّف مما يجري حولها، بالإقدام على تحرّك ذي زخم يتناسب مع حجم المخاطر الناتجة عن الأوضاع العالقة في الصومال، والدفع بالأطراف المختلفة في الساحة الصومالية للدخول في مرحلة العمل على تحقيق حلول على الأرض، على مستوى قضايا الوحدة والانفصال، ومستوى الحكم الفيدرالي والولايات، مع ضمان خلق جبهة صومالية واحدة ضد حركة الشباب المتطرفة من ناحية، والتعامل مع الأوضاع الإقليمية بما يتسّق مع مصالح الشعب الصومالي ويضمن سلامة الحليف العربي الذي طال أمد غيبوبته!

اقرأ/ي أيضًا:

هرجيسا ومقديشو... الوحدة الرومانسية

أسطوانة الـ50 ألف طفل صومالي!