25-مايو-2016

(Getty)

تثير المانشيتات العريضة الملتهبة عادة نزعة الفضول لدى القرّاء، فتدفعهم للتصفح، ولعلنا لا نبالغ في القول إن لمفردة "الصفعة" ترتيبًا من أعلى الترتيبات درجة على مقياس الإثارة لدى القارئ، وقد نتذكر الصفعة الشهيرة التي طبلت شرق الوطن العربي وغربه حين صفع الممثل عمر الشريف الصحفية في مهرجان سينمائي كان يحضره في قطر ونتذكر كم تردد صدى الصفعة هنا وهناك، وغدت عنوانًا مستقطبًا للقراء كلما استجد تطور من مفاعيلها.

تغدو مفردة صغيرة مثل "صفعة" اختصارًا لاستراتيجيات دول تجاه أخرى

العناوين الملتهبة، بالنسبة للعارف بالسيكولوجيا الشعبية، قد تستخدم مفردة لها دلالاتها الاجتماعية والنفسية في المجتمع، ستحقق استجلابًا ممتازًا للقارئ الفضولي: 

- صفعة روحاني المؤدبة لأوباما ولا عزاء للعرب

- الصفعة التي وجهتها المخابرات المصرية لإسرائيل.

- فوز(مادورو) صفعة للغرب ووفاء لتشافيز القائد الرمز.

- تتوالى الصفعات للانقلابيين: تركيا تجمد 27 من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون مع مصر.

- صفقة أم صفعة لفرنسا على الحدود الجزائرية المالية؟

- محللون سعوديون: مقتل العولقي يمثل صفعة قوية بوجه القاعدة.

اقرأ/ي أيضًا: من فقه الثواب إلى فقه العقاب

وهكذا تغدو هذه المفردة الصغيرة اختصارًا لاستراتيجيات دول تجاه دول، أو تعبيرًا عن انتصار، أو توصيفًا لهزيمة، ويبدو أن المفهوم الشعبي للصفعة قد انتقل لأدبيات اللغة والسياسة، فقد تتجاوز الصفعة أحيانًا أثرها المدرك المباشر إلى أثرها التاريخي، إن صح التعبير، فيغدو لزامًا على المصفوع رد الصفعة، بجعل الصاع صاعين، أو أنه سيغدو رهين التاريخ وذكرى الحادثة وسيتم وصمه بالعار وأسرته، ولعل أكبر الشواهد التي تحضرنا تاريخيًا للصفعات التي غيرت مصائر بلدان هي حادثة "المروحة" التي أدت لاحتلال الجزائر من قبل فرنسا، فقد طالب الداي حسين القنصل الفرنسي بدفع الديون المترتبة على فرنسا للجزائر، والتي تقدر بـ20 مليون فرنك فرنسي كانت الجزائر قد ساعدت بها الفرنسيين أثناء ثورتهم الكبرى ضد الملكية، غير أن الرد غير اللائق للقنصل دفع بالداي للتلويح بمروحته بوجه القنصل، وهذا ما شكّل ذريعة كافية لفرنسا لكي تعتبرها إهانة تقتضي الرد القاسي، فحاصرت السواحل الجزائرية ستة أشهر عام 1828، ثم احتلتها ولم تخرج منها إلا بعد ثورة يقدر عدد شهدائها بالمليون ونصف المليون شهيد.

لقد كانت التلويحة بالمروحة شبه صفعة، غير أنها جوبهت بمليون صفعة واستلاب ثروات بلد عربي للعشرات من السنين، ولكن التاريخ العربي زاخر ومليء بالصفعات التي تلقاها العرب من المشرق للمغرب، وكان دأبهم هو الامتثال لمقولة السيد المسيح الشهيرة "لا تقوموا بالشر، من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا". وهكذا فقد أصبحت إدارة الخد سياسة احترفها العرب.

حين تلقى العرب صفعة النكبة في 1948 أداروا خدهم للنكسة في 1967 

الأمثلة كثيرة، حين تلقى العرب صفعة النكبة في 1948 وخبر الإعلان عن نشوء دولة إسرائيل، أداروا خدهم للنكسة في 1967 ولخسارة الضفة الغربية وغزة والجولان وسيناء، وتلقى العرب صفعة احتلال العراق من قبل أمريكا في العام 2003 فأداروا خدهم الأيسر لها لتعدم رئيسًا عربيًا في صبيحة عيد من أعيادهم.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. هل هي عودة إلى الدكتاتورية؟

منذ مدة قريبة عادت الإضاءة لتلقى بقوة على الصفعة بعد فضيحة لطم رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض السابق أحمد الجربا للناطق الرسمي باسم الجيش الحر لؤي المقداد، إثر خلاف حاد وقع بينهما على عدد الكراسي التي يجب أن تمثل الأطراف المندرجة في المجلس، وكان لهذه الصفعة أثر كبير على الجمهور السوري، سواء كان معارضًا لنظام الحكم أم مؤيدًا له، فقد فاضت صفحات التواصل الاجتماعية بالتعليقات الطريفة والساخرة من قبل الجمهور السوري.

يبدو جليًا أن المرحلة التاريخية الحساسة التي يعيشها الشعب العربي ستشهد صفعات لا تعد ولا تحصى بعد انطلاق الربيع العربي، لن تكون بدايتها كف الجربا ولا نهايتها، يبقى أن نتمنى أن تكون الصفعات التي قد نتلقاها صفعات مادية على خد ومؤخرة وألا تتجاوز ذلك لخسارة بلد عربي أو تقسيمه، وألا تكون ماركة مسجلة تاريخيًا باسم العرب، وأن تكون مقولة السيد المسيح مقتصرة على مفهوم التسامح لا التمسحة.

اقرأ/ي أيضًا:

رسالة إلى بعض العرب

فـخُ المنطقـة الخضراء