17-يوليو-2016

Photo by Gokhan Tan/Getty Images

فشل الانقلاب العسكري ببلاد الأتراك. محاولة بدأت مساء الجمعة لتتفكك خيوطها صباح السبت، ورغم كل الطفرة الاقتصادية والاجتماعية التي تمتعت بها تركيا خلال فترة حكم أردوغان، فإن هذا لم يعفها من هذه المحاولات، خاصةً إذا ما أضفنا إلى المشهد أكثر من 15 عملية إرهابية، واستحضرنا المواقف الدولية المعلنة من جملة القضايا التي بالساحة الإقليمية، فإننا حينها قد نفهم لماذا أصبحت الدولة العثمانية في مرمى الضربات والتآمر الخارجي المستمر.

لقد قام المتمردون بقصف البرلمان "كإشارة أولى على الديمقراطية التي بشروا بها" ونزلوا إلى المطارات، وعمدوا إلى إغلاق ممر البوسفور الحيوي، وفرضوا حظر التجوال، وأعلنوا الأحكام العرفية، وسيطروا على القناة التركية الرسمية، ثم عمدوا إلى محاولة اغتيال الرئيس رجب طيب أردوغان والذي كان في عطلة في منتجع مرمريس جنوب غرب البلاد.

كان موقف المعارضة التركية ناضجًا وواعيًا، ليس انتهازيًا أو وصوليًا، ولم يجعل من الاختلاف الإيديولوجي مع أردوغان أو حزب العدالة والتنمية مبررًا للوقوف إلى جانب الانقلاب

بالمقابل كان موقف المعارضة التركية ناضجًا وواعيًا، ليس انتهازيًا أو وصوليًا، ولم يجعل من الاختلاف الإيديولوجي مع أردوغان أو حزب العدالة والتنمية مدعاة لمساعدة الجيش لتصفية الخصوم كما وقع بمصر. فأعلنت الأحزاب منذ الساعات الأولى رفضها لأي محاولة عسكرية للسيطرة على مفاصل الدولة بالعنف، لتقول بذلك أنه بالبرامج وحدها والعمل السياسي والصناديق يمكن التغيير، وهو ما ذكره زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كليجدار أوغلو: "أن تركيا عانت من الانقلابات وسندافع عن الديمقراطية".

اقرأ/ي أيضًا: الليلة الكاشفة.. تركيا في الإعلام العربي

لقد نزل الشعب التركي بالأعلام بعدما سمع نداء الرئيس في تسجيل على وسيط التواصل الـ"فايس تايم" يدعو من خلالها الناس للنزول إلى الساحات. ليقول أن الوطن فوق كل شيء، وليعطي الدروس ويصنع التاريخ.

بعد كل هذا انكشف زيف وكذب العديد من وسائل الإعلام العربية والدولية، وسائل وقنوات لم يرف لها جفن أو تراعي قواعد المهنية والصدق في نقل الخبر، كما ظهر تذبذب القوى الغربية في مواقفها، والتي انتظر كثير منها ثبوت الفشل، لتعلن مساندتها للديمقراطية وللمؤسسات.

إن تلخيص الدرس التركي يجعلنا أمام حقيقة واحدة، وهي أن الديمقراطية هي صمام الأمان لكل بلد ينشد الحرية والكرامة والعدل، بشعب يقظ واع وناضج ومسؤول، لا رعاع وغنم يساق ويهيج ويرقص في الساحات، بل مستعد للتضحية والخروج والتظاهر للدفاع عن بلده وعن اختياراته، وبأن الانقلابات لا تصنع إلا الخيبات والويلات والعنف والدكتاتورية والدماء وقمع الحريات وخنق الصحافة ، وأن حكم العسكر يكون مزدهرًا بالقمع والمنع.

 الديمقراطية هي صمام الأمان لكل بلد ينشد الحرية والكرامة والعدل، بشعب يقظ واع وناضج ومسؤول، لا رعاع وغنم يساق ويهيج ويرقص في الساحات

لقد حصن اختيار الشعب الدولة من الخونة وأعداء الداخل والخارج عبر جبهة داخلية قوية، وذلك كله بسيادة للقانون وجعله حقًا فوق الجميع، باستقلالية للقضاء، واحترام كرامة المواطن، وعدم السماح للمؤسسة العسكرية بالتدخل بأي شكل من الأشكال وتحت أي ذريعة لأن مكانها الثكنات والجبهات والحدود وضد العدو. أضف إلى هذا وجود أحزاب سياسية وطنية لها رؤية، والتي تكمن قوتها في تدافع رؤاها ووجهات نظرها ومشاريعها المجتمعية الواضحة. هذا الاختلاف في التصورات والأطروحات الفكرية هو ما يغني الوطن ويدفعه إلى مزيد من التنافس، وإلى تنوع مشارب وطرق حل الأزمات والخروج من المطبات وصناعة المعجزات.

إنها الحرب التي يجب أن تخاض ضد الفساد لا على الوطن، هذا الوطن الذي يجب أن يجمع الذات. فيجب أن يتربى الناس على القانون وعلى الاختيار وعلى قوة الدفاع عن الحق مهما كان الاصطفاف والاختلاف، بعيدًا عن التدخلات والإملاءات والتوجيهات والأجندات والحسابات، يلقن ذلك في الأسرة، في المدرسة، في المكتبة. ولابد من إعلام حر ومستقل ورجال صحافة ينقلون الخبر بأمانة ومسؤولية. إن فشل الانقلاب بتركيا ناتج لا محالة عن بيئة مختلفة تمامًا عما يوجد بمصر.

اقرأ/ي أيضًا:
سكاي نيوز عربية.. ما هكذا يُصَدق الكذب

الجدول الزمني لصعود وهبوط الانقلاب في تركيا