24-فبراير-2016

كيري ولافروف (Getty)

فلنعدْ النظر قليلًا فيما يجري:

1- اتفاق أمريكي روسي على هدنة لوقف إطلاق النار، فرضها الطرفان بعد فشل محادثات جنيف الأخيرة من التواصل إلى اتفاق بين طرفي النظام والمعارضة. كما جاء في القرار الدولي 2254.

أعلن الرئيس السوري بشار الأسد عن انتخابات تشريعية في نيسان/أبريل، ضاربًا عرض الحائط بقرار مجلس الأمن الدولي 2254

2- الرئيس السوري بشار الأسد أعلن عن انتخابات تشريعية في نيسان/أبريل، ضاربًا عرض الحائط بذات قرار مجلس الأمن الدولي 2254، فالقرار واضح ويدعم "في غضون ستة أشهر" إقامة حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، ويحدد جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة.

3- الأردن لم يقدم بعد قوائم تصنيف "التنظيمات الإرهابية" الموجودة في سوريا التي طالب بها قرار مجلس الأمن الدولي 2254، واللافت أنه من الأمور المسكوت عنها ولم يتم تداولها هو أن وزارة الخارجية الروسية، وحسب ما أعلنت وكالة نوفوستي الروسية في 17 كانون الثاني/ديسمبر 2015، كان أعلن أن الأردن سلم الجانب الروسي قائمة بنحو 160 تنظيمًا مشتبهًا بالتورط في الأنشطة الإرهابية في سوريا. الوكالة كانت ذكرت عن ما أسمته مصدرًا في الخارجية الروسية، القائمة الأولية تشمل على رأس القائمة تنظيم "داعش"، كما ضمت "جبهة النصرة" وكافة كتائبها، و"جيش المهاجرين والأنصار"، و"فجر الإسلام"، و"جند الأقصى"، و"حركة نور الدين زنكي"، و"لواء التوحيد"، و"كتائب أحرار الشام". ولكن لم يعد أحد يذكر هذه القائمة، أو ينفيها أو يؤكدها، ليأتي الاتفاق الأمريكي الروسي ويستثني من هدنة وقف إطلاق النار، تنظيمي "داعش" و"النصرة"، أي أن الحرب ستتواصل ضد هذين التنظيمين فقط، ولكن دخلت على الخط "حركة أحرار الشام" التي أعلنت أنها لن تدخل في اتفاق الهدنة إذا لم يشمل "جبهة النصرة" حليفتها.

اقرأ/ي أيضًا: هدير الحلم السوري.. الانفتاح على الآخر

بعد إعادة النظر في كل ما سبق، ولو افترضنا حسن النية بنجاح جهود بناء الثقة بين كل الأطراف في سوريا، وتوفر آلية رادعة تستطيع فرض الحلول على الأرض بوجود قوات دولية أو عربية أو أي آلية أخرى، فنحن نحتاج إلى حزيران/يونيو 2016 كي تتشكل آلية "الحكم ذو المصداقية" في سوريا، التي ضرب بها بشار الأسد عرض الحائط بإعلانه عن الانتخابات التشريعية في نيسان/أبريل، ما يعني أن الخطوات اللاحقة من "صياغة دستور جديد" وانتخابات حرة ونزيهة، التي من المفترض، حسب القرار، أن تكون في غضون 18 شهرًا، أي حتى كانون الأول/نوفمبر 2017؛ ستكون موضع شك.

بالعودة مرة أخرى إلى قراءة اتفاق الهدنة الروسي والأمريكي في ضوء قرار مجلس الأمن الدولي 2254، فإن واقع الحال يقول: "إن اثني عشر قرارًا أمميًا وستة قرارات رئاسية عن الأمين العام للأمم المتحدة، سبقت هذا القرار ولم يطبق أي منها، لا بل ازدادت وتيرة العنف والانقسامات بين الفصائل المتقاتلة في سوريا".

اقرأ/ي أيضًا: في امتداح هدير "الحلم" السوري

الأهم من كل ذلك أن القرار كان استثنى، قبل صدور القائمة الأردنية لتصنيف الإرهابيين، حيث جاء فيه حرفيًا أن "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" و"جبهة النصرة"، وسائر الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها من الجماعات الإرهابية، على النحو الذي يعينه مجلس الأمن، وعلى نحو ما قد يتفق عليه لاحقًا الفريق الدولي لدعم سوريا ويحدده مجلس الأمن"، فهؤلاء ليسوا معنيين ببنود الاتفاق، وأن "وقف إطلاق النار المذكور أعلاه لن يطبق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية التي تنفذ ضد هؤلاء الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات".

الهدنة تعني أن 70% من الأراضي خارج الاتفاق، وأن مئات آلاف السوريين الذين زج بهم في الصراع باتوا إرهابيين

هنا اسمحوا لي أن أقضي على حسن النية وأرميها إلى حاوية المهملات، لأن اتفاق هدنة وقف إطلاق النار مقارنة مع قرار مجلس الأمن الدولي، تتلاعب بالألفاظ وتحدد سياق الأمور مرحليًا، وليس استراتيجيًا كما يظهر من الديباجات الواردة في القرار الدولي 2254، لأن كثيرًا من السوريين، وهم بالآلاف انضموا إلى هذه الجماعات كرهًا بعد أن تخلى عنهم المجتمع الدولي وتركهم لعامين تحت وطأة البراميل المتفجرة، لاذوا بها بحثًا عن الأمان لهم ولأسرهم، وكثيرون تورطوا بها ولم يعد يمكنهم الانسحاب. 

هؤلاء سوريون لن يكونوا مشمولين بالحل، وإذا علمنا أن أكثر من 70% من أراضي سوريا تسيطر عليها تلك المجموعات، فهذا يعني أنها ستكون خارج معادلة "قرار وقف إطلاق نار"، أو أية هدنة تسعى لهذا الأمر... وبنظرة حسابية فإن الهدنة تعني أن 70% من الأراضي خارج الاتفاق، وأن مئات آلاف السوريين الذين زج بهم في الصراع باتوا إرهابيين، فإن أي حل لن يمكن المجتمع الدولي من القضاء على هذه "الجماعات الارهابية" وهي بالعشرات وربما بالمئات، إلا بالقضاء على أولئك السوريين.

ما أريد قوله إن المجتمع الدولي وعلى رأسه روسيا وأمريكا، حسب القرارات الدولية، يجتهدون في دفع السوريين إلى صفوف الإرهابيين عبر تأخير فرض الحلول على الأرض، وهذا الأمر ليس عبثيًا وإنما خطة ممنهجة ومدروسة في التحكم في سلوك الشعوب، وذلك كله ليبدو أنّ أي حل عصي على التنفيذ ما لم يتم القضاء على الإرهابيين، ما يعني أن سوريا لن تكون دولة موحدة وديمقراطية وتتعايش فيها كل الطوائف كما يغلفون حقيقة أهدافهم، وإنما دخلت فعلًا عصر التفكيك الديمغرافي والجغرافي، عصر الدويلات المتفككة والمتآكلة والتي يحكما صراع طويل الأمد.

اقرأ/ي أيضًا:

سُوريّا.. هُوِيّة الوَحدة أم وَحدة الهُوِيّة؟

في تعثّر الثورة السورية