07-يونيو-2016

مسن سوداني في طريقه إلى جلب الماء (Getty)

ألم يبق ما يقال، إلا أن نكرِّر في كلّ مرة ما بات يقينًا؛ أنَّ كل ما في السودان يؤكد الشيء ذاته: البلاد محطمة؟ نعم، الحكومة سيئة، الناس مكسورون، ونعيش في ذروة الكارثة. لكننا -كما أرى- لا نحتاج أن نبرهن كل يوم، ومع كل حدث؛ على سوء الأوضاع وانسداد الأمل. عرفنا منذ وقت كافٍ أن المآل إلى خراب.

لا يجدي أن تخبر المبتلَّ بأنه مبتلٌّ، فهو يعرف هذا أكثر منك. أخبره كيف يجفف نفسه

ماذا يمكن أن نفعل؟ ماذا يمكن أن أفعل؟ لا يلتفت أكثرنا إلى هذا السؤال، منغمسين كل مرة، في تبيان سوء الحكام وسوء الأوضاع. حسنًا، الأوضاع سيئة، فهلا كففنا عن ترديد ذلك أكثر؟ ألا يملك أي أحد هنا شيئًا آخر لفعله، بدلًا من إلصاق أصابعه بالكيبورد ليقول ما قاله بالأمس وما سيقوله غدًا؟

اقرأ/ي أيضًا: يد الله وقبلة الشيطان

عنِّي؛ لقد سئمت من رصدي المتواصل لمظاهر الانهيار في بلادي، ففي النهاية، لا جديد في ما يخص الأسباب. أعرف -نظريًا على الأقل- أن عليَّ الانتقال إلى مرحلة جديدة؛ أن أشارك آخرين ظنِّي في طريقة إصلاح هذا العطب، ثم لأنه لا يكفي القول فقط، فإن عليَّ، إن استطعت، مد يدي لفعل شيء ما. لكن، تعوزني القدرة أولًا، ويعوزني الأمل.

ينفق كتّاب كثر، وأنا منهم؛ جهدًا طائلًا في مطاردة أخبار الفساد واللا إنسانية التي تظلل السودان منذ عقود. هذا لا يجدي، لا يجدي أن تخبر المبتلَّ بأنه مبتلٌّ، فهو يعرف هذا أكثر منك. أخبره كيف يجفف نفسه، وقبلها اسأله هل يرغب بدءًا في تجفيف نفسه؟ لا تحدثه عن أزماته فهو يشعر بها، ولا تحدثه عن اللصوص فهم يسرقونه أمام عينيه كل يوم. جد شيئًا آخر لتقوله له.

نتحدث عن تغيير من دون أن نتغيَّر أولًا. نطالب بما لا نؤمن به حقًا: الحرية والديمقراطية والمساواة. نعلي من قيمة العُرف على حكم القانون اجتماعيًا، ثم نرفع شعارات ضد الظلم. لذا طبيعي أن نركض في مضمار شتم الأوضاع، والحكايات عن سوء "آخرين". طبيعي أن يصبح أفق الرؤية قصيرًا عن إمساك حلٍّ لما نراه مشكلةً.

إنه أمر ممل حقًا؛ الاكتفاء بوصف ما يحدث ثم انتظار تغيير ما، وكأننا أنجزنا ما يخصنا لنتفرَّغ للوم الآخرين ممَّن نراهم لم ينجزوا ما يليهم. بوصفي كاتبًا؛ أعلن سأمي من تعقّب أحداثٍ، فقط، لأبرهن في كل مرة أن الوضع سيئ، كلها ثمار متشابهة لأنها أتت من الشجرة نفسها، أليس كذلك؟ عليّ البحث منذ الآن عمّا يجعلني، بفعله، ذا موقف أبني عليه أفعالًا، وطوبى لمن يعرف المطلوب منه.

اقرأ/ي أيضًا:

نكسة حزيران.. بدء حكم الطغاة وهزيمة الإنسان

الإرهاب الفلسطيني في العراق!