04-أغسطس-2016

متظاهرون يواجهون فرقى مكافى الشغب فى مظاهرات عام 2011 بالجزائر Photo credit should read STR/AFP/Getty Images

أتصوّر أن المعارض المفضل لدى الحكومة، هو ذاك الذي لا ينسجم خطابه مع سلوكه، يعارضها خطابًا لكنه يُشبهها سلوكًا، وهو بذلك يُعطيها مصداقية أكبر مما تحصل عليه من أنصارها المدافعين عنها مباشرة. يكذب ويسرق ويلفّ ويدور على الحقائق ويقصي الكفاءة ويهمّشها ويحتكر الكلمة والمنصب، ويغلّب المصلحة الشخصية ويقرّب العشيرة وينكر العشرة.

ما أجدر أن توصف الحكومة الجزائرية، بكونها لا تؤمن في العمق بمبدأ التداول على السلطة الذي تتغنّى به في خطاباتها، وجعلته واحدًا من المبادئ المكرّسة دستوريًا، والدليل أنها أقدمت عام 2008 على تغيير الدستور، ليس لفتح آفاق ديمقراطية جديدة في البلاد، بل لكي تسمح للرئيس الحالي بالترشح مرة ثالثة، لأن الدستور يومها لم يكن يسمح بالترشح لأكثر من عهدتين، ثم عادت وقامت بتعديلٍ آخرَ قبل شهور، لتحصر الترشح في عهدتين، بعد أن علم الرئيس نفسه أنه لا يستطيع الترشح للمرة الخامسة بسبب المرض، لكن هل تحق معارضتها من طرف أحزاب لم يغادر مؤسسوها سدة تسييرها منذ ربع قرن؟

اقرأ/ي أيضًا: التعليم.. ولادة جديدة للسجناء في الجزائر

إن بحثًا بسيطًا يجعلنا ندرك ندرة الأحزاب الجزائرية المعارضة التي تملك دارَ نشر أو مجلة أو جريدة أو موقعًا إلكترونيًا

قليلة هي الأحزاب المعارضة في الجزائر التي كانت من السبّاقين عربيًا إلى فتح المجال السياسي عام 1989، أسفرت مؤتمراتها ديمقراطيًا عن قيادات جديدة، وبقيت تلك القيادات المؤسسة مناضلة بشكل عاديّ في صفوف الحزب، فالواقع يقول إن معظم تلك القيادات إما بقيت جاثمة على رؤوس أحزابها، مثلما هو الحال بالنسبة للوزيرة حنّون رئيسة "حزب العمال" ذي النزعة اليسارية، وإما غادرت أحزابها الأصلية وأسست أحزابًا جديدة، بعد أن تعرّضت إلى حركات تصحيحية من طرف المناضلين، مثلما فعل عبد الله سعد جاب الله ذو التوجه الإسلامي.

في سياق الإيمان بالكفاءات والطاقات المثقفة، لا تختلف نظرة الأحزاب المعارضة إلى الثقافة والمثقفين، عن نظرة الحكومة إليهما، والدليل أنها لا تقدّم الكتّاب والفنانين وذوي المشاريع الثقافية والحضارية في واجهة قوائمها الانتخابية إلا في حالات نادرة محكومة بسياقات معينة، بل تجعلهم في مؤخرتها، وإن بحثًا بسيطًا يجعلنا ندرك ندرة الأحزاب الجزائرية المعارضة التي تملك دارَ نشر أو مجلة أو جريدة أو موقعًا إلكترونيًا، تماشيًا مع قاعدة أن الحزب السياسي هو مؤسسة حضارية بالدرجة الأولى. بل إن عدد المرات التي دعت فيها هذه الأحزاب وزراء الثقافة إلى البرلمان ليجيبوها عن جملة من الأسئلة المتعلّقة بالسياسة الثقافية في البلاد تكاد تكون أقلّ من عدد أصابع اليد الواحدة.

ما عدا تجارب قليلة جدًا، بدأت هي الأخرى تصاب بالترهل والتشقق، فإن معظم الأحزاب المعارضة في الجزائر، لا تعارض الحكم الفاسد من باب أنه فاسد، وتعمل على افتكاك فرصتها في تقديم بدائلَ حقيقيةٍ في القطاعات كلها، وإنما تعارض من باب أنها ليست في الحكم لتكون فيه، والدليل أن قطاعًا واسعًا منها يتزعمه رؤساء حكومات سابقة قذفوا خارج الحكم لأسباب تتعلّق بتصفيات حسابات ضيقة، ولعلها أدركت أن وصولها إلى الحكم لدى المخابر الخفية التي تحدّد من يحكم مرتبط بالفساد، فراحت تتشبّه بالحكومة في كلّ شيء، وتطالب بحقها هي الأخرى في إدارة الفساد، ولعل الشعب أدرك هو الآخر هذه الحقيقة، فلم يمنحها أصواته أو لم يحتج على تزوير أصواته، عملًا بمثله الشعبي "الموالف خير من التالف"، أي من نعرف أفضل من الغريب.

اقرأ/ي أيضًا:

الحكومة الجزائرية والدين.. تحويل الأنظار

الجزائر... مكتبة للمفكّرين الأحرار

مبادرة "من أجل حي نظيف" تعيد الحياة لمدن جزائرية