12-فبراير-2016

إن التعامل الإعلامي مع الشأن الليبي، ينبغي أن يكون هادئًا، رغم توتر الأحداث ومجرياتها(Getty)

كان منطقيًا أن تحوّل وسائل الإعلام التونسية اهتمامها، مؤخرًا، صوب القضية الليبية، في ظل تصاعد الحديث عن قرب شن ضربات عسكرية تستهدف مواقع "تنظيم الدولة الإسلامية" هناك. تُمثل تونس الحديقة الخلفية لـ"طبخات" مختلف مكونات الطيف السياسيّ الليبي، وتربطها مع ليبيا علاقات تتجاوز حدود الجغرافيا، إذ تأوي تونس ما يزيد عن مليون ونصف المليون من الليبيين الفارّين من أتون الحرب في بلادهم، في حين تشغّل ليبيا الآلاف من التونسيين وتعتبر المتنفس الاقتصادي لمحافظات الجنوب التونسي.

قد يتسبب الانفلات الإعلامي الحاصل الآن في تونس، فيما يتعلق بالتدخل المفترض، في توتر العلاقات "الهشة" مع صنّاع المشهد الليبي في الداخل

اللافت للانتباه كان التشنج السائد في طرح الملف الليبي وتداعيات أي هجوم عسكري محتمل على الداخل التونسي، رغم "هدوء" الموقف السياسي الرسمي التونسي الداعي إلى التشاور مع تونس والحذر من انعكاسات أي هجومات خارجية، وتضارب الأنباء والتصريحات الصادرة عن مسؤولين دوليين بارزين. المخاوف من انعكاسات هذا التدخل العسكري المفترض، على تونس حقيقية، لكن ما يُخيّل لأي مشاهدي قناة تونسية، على اختلاف أسمائها وتوجهاتها، هو أن الحرب ستنطلق في غضون ساعات قليلة.

خلال الأيام الأخيرة، تابعنا خبيرًا اقتصاديًا يدعو إلى فرض ضريبة على الليبيين إذا ما تجاوزت فترة إقامتهم في تونس شهرًا. من جانب آخر، محلل سياسي يطالب باستباق الحرب وغلق الحدود أمام اللاجئين الليبيين، و"خبيرة أمنية"، وما أكثر الخبراء في القنوات التونسية، تحدد تاريخ انطلاق الحرب من خلال ذكر اليوم بكل دقة.

الغريب هنا، وهذا لم يعد بجديد في تونس، هو إسناد صفة "خبير" أو "مختص في الشأن الليبي" لشخصيات لا تتجاوز معرفتها بليبيا وتفاصيل صراعاتها الخرائط وبعض برقيات وكالات الأنباء. يظهر هؤلاء كـ"منظرين" يفقهون في كل شيء، يحللون مخاطر الجماعات المتشددة، والاستراتيجيات العسكرية، ويفككون ألغاز العلاقات الدولية المتشابكة. لا يتعلق الأمر بكفاءة أو شهادة معينة أو خبرة ما، يكفي أن تكون متحدثًا جيدًا أو هكذا خُيل لك، وأن ترتبط بفاعلين في المشهد السياسي أو الإعلامي، لتتحول إلى محلل أو خبير، تبدي رأيك في الماضي وتناقش الحاضر ولما لا تستشرف المستقبل أيضًا ومن حقك أن تجبر التونسيين على متابعة تحاليل لا تستند إلى وقائع أو معطيات دقيقة، وإنما على أهواء أصحابها أو ربما خلفياتهم الأيديولوجية.

إن مقاربة الإعلام التونسي للأزمة الليبية لم تتغير منذ الانقسام بين معسكري "فجر ليبيا" و"عملية الكرامة"، إذ تساند وسائل الإعلام القريبة من حركة النهضة الإسلامية أطروحات "طرابلس الغرب"، في حين تعارضها بقية المنصات الإعلامية المحسوبة على الشق العلماني (أو لنقل التي تختلف مع الطرح الإسلامي)، والتي تساند مواقف ورؤى "معسكر الشرق". وتسبب ذلك في توتر العلاقات بين تونس، الضعيفة ديبلوماسيًا، مع المعسكرين في مناسبات عديدة، وقد يتسبب الانفلات الإعلامي الحاصل الآن، فيما يتعلق بالتدخل المفترض، في توتر العلاقات "الهشة" مع صنّاع المشهد الليبي في الداخل.

الخطير هنا، هو أن ادعاء بعض المتحدثين الإعلاميين بأن تشنجهم على "بلاتوهات" التلفزيونات مردّه الخوف على مصالح تونس وأمنها القومي، يبدو ادعاء مشكوكًا في صحته، فالـ"التهييج" المتواصل ضد الليبيين والتخويف من قدومهم بشكل مبالغ فيه سيضاعف من حالة الفوضى الأمنية داخل تونس ويجعل من التونسيين عناصر غير مرغوب في تواجدها على التراب الليبيّ، كما قد يتسبب في ردود فعل تجاه المواطنين التونسيين العاملين في ليبيا.

إن التعامل الإعلامي مع الشأن الليبي، وغيره من المواضيع، ينبغي أن يكون هادئًا، رغم توتر الأحداث ومجرياتها، حفاظًا على تونس وأمنها، وحفاظًا على علاقات سياسية وخاصة اقتصادية تبدو تونس اليوم في أشد الحاجة إليها نظرًا للصعوبات التي تواجهها ومع بروز شبح الأزمة الاقتصادية الذي يلوح في أفق الجارة الثانية الجزائر.

اقرأ/ي أيضًا:

التدخل العسكري في ليبيا.. هل بدأ قرع الطبول؟

المحاصصة المناطقية في ليبيا.. الخطر الأكبر