28-يونيو-2016

أمام جامعة القاهرة (Getty)

هل صراع الطبقة العاملة ضد الاستغلال الرأسمالي اقتصادي أم سياسي؟ يجادل البعض بأن التطور العفوي لوعي الطبقة العاملة تحت الضغط التراكمي للأزمة الاقتصادية والتمدد الرأسمالي سوف يخلق لدى الطبقة العاملة وعي ثوري يجعلها تنتفض ضد البرجوازية محطمة الوعي الطبقي السائد بشكل ميكانيكي مباشر، خالقًا تغيير نوعي في طبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية القائمة دون الحاجة للتنظيم الثوري. بالتالي فلا داعي للقيادة الثورية، ولو وجدت فما عليها سوي انتظار هذه الحتمية أو تذيل وعي الطبقة العاملة ودعم مطالبها الاقتصادية فقط، وتجنب خوض نقاشات سياسية ديمقراطية معها.

 وفقًا لهذا الطرح الذي يخرج (العنصر الذاتي/الحزب الثوري) تمامًا من المعادلة، فالحتمية الاقتصادية هي ما يصنع التاريخ وليس الصراع الطبقي، وما الوعي الثوري للطبقة العاملة إلا انعكاس سلبي مباشر لمستوى معين من حدة الاستغلال الرأسمالي في اللحظة، وما دور النخب الثورية والانتلجنسيا سوى الجلوس وانتظار هذه الحتمية حتى حدوثها، أو التضامن الاقتصادي الخامل معها في أقصى تقدير.

الحزب الثوري الذي يضم العناصر الأكثر تقدمًا على مستوى الوعي هو حلقة أساسية في عملية التطور التاريخي
 

لكن لو كان الأمر هكذا، فلماذا لم تتطور النضالات الاقتصادية، الفئوية أو القطاعية، تحت ضغط الأزمة إلى نضالات سياسية في الثورة المصرية كمثال؟ ولو سلمنا بصحة هذه النظرية فكيف للطبقة العاملة بشكل عفوي أن تتحرر من هيمنة خطاب البرجوازية التي تمتلك وسائل تشكيل الوعى؟ وماذا عن التفاوتات الكبيرة في الوعي بين القطاعات المختلفة من الطبقة العاملة، وحتى التفاوتات التي نجدها داخل القطاع الواحد؟ هل يمكن أن تصل كل قطاعات الطبقة العاملة إلى نفس المستوى من الوعي الثوري في الوقت نفسه؟

وهل تستطيع الطبقة العاملة تطوير تنظيمها الاقتصادي وخوض معاركها الاقتصادية في مناخ سياسي غير ديمقراطي؟ وهل سيتحقق هذا المناخ السياسي الديمقراطي دون مشاركة للطبقة العاملة النضال السياسي الديمقراطي؟ هل صراع الطبقة العاملة ضد الاستغلال الرأسمالي اقتصادي أم سياسي؟

ألا يعني هذا ضمنًا أن الأصح هو وقوف المثقف مع السلطة ضد الطبقة العاملة للتسريع من شروط الاستغلال وبالتالي التسريع من الثورة العمالية المنتظرة؟!

اقرأ/ي أيضًا: بحث عن يسار "إنسانيّ" في سوريا

إن هذا الشكل من أشكال المادية الميكانيكية الذي يبدو في الظاهر وكأنه يعلي من شأن الطبقة العاملة على حساب الإنتليجنسيا الثورية يخلق في الواقع والممارسة العملية تناقضًا مصطنعًا بين الإنتليجنسا الثورية والعمال لصالح الانصياع الكامل للشروط الموضوعية التي تفرضها البرجوازية. فهذا الشكل من أشكال الحتمية الميكانيكية هو الوجه الآخر للعملة لأصحاب النزعة الأخلاقية التي تسقط الفعل الفردي والجمعي عبدًا لقوى غيبية من خارج التاريخ، كأحد ظلال كهف أفلاطون، فهو باب خلفي لعبور الفلسفة المثالية لكن إلى داخل التاريخ هذه المرة عبر إخراجها لـ"الفعل/الإرادة" الإنسانية من دائرة التأثير المجتمعي وتحويلها إلى مفعول به خاضع لقوانين موضوعية طبيعية وجدت بشكل مستقل عن الإنسان.

وهذه النظرية هي الجذر لكل الانحرافات اليسارية التي نراها اليوم، سواء من الماركسيين الدوغمائيين المؤمنين بحتمية انتصار الطبقة العاملة دون تدخل منهم في نشر الأفكار والخبرات الثورية وسط الطبقة العاملة أو الماركسيين المؤمنين بنظرية المراحل التاريخية التي تشترط البرجزة الكاملة للمجتمع كشرط أساسي لقيام الثورة العمالية فيدعون عدم جاهزية الطبقة العاملة للسلطة وبالتالي يقفون في صف البرجوازية ضد العمال! أو"الاشتراكيين البرلمانيين" الذين يفترضون "حياد البرلمان" واختصار الصراع الطبقي في الصراع السياسي على تحقيق الأغلبية داخل البرلمان أو "الستالينيين" الذين يفترضون "حياد الدولة البيروقراطية" وبالتالي تبرير استبدالها للطبقة العاملة كقائدة لعملية التغيير.

اقرأ/ي أيضًا: الربيع الأوروبي.. بداية لتفكيك القارة العجوز

وهذه النظرية وما نتج عنها من انحرافات هي ناتجة بالأساس من الفشل في التخلص من تأثير هيمنة الإيديولوجيا البرجوازية والبرجوازية الصغيرة على الكثير من الانتلجنسيا، وتروج البرجوازية لها بالأساس كأحد وسائل عزل الطبقة العاملة عن طليعتها الماركسية الثورية لضمان استمرار خضوع العمال لهيمنتها.

ولكن التاريخ يبين في أكثر من مناسبة أن العمال مع ازدياد حدة الاستغلال الطبقي قد يقومون بالانتفاض العفوي ضد السلطة السياسية بالفعل، ولكن مدى قدرتهم على تخطي فخاخ الخطاب البرجوازي المهيمن وفهمهم للخلفية الطبقية لهذا الاستغلال ولطبيعة النظام الرأسمالي الذي يتستر خلف هذه السلطة السياسية التي انتفضوا ضدها وربط أزمتهم باستمراره من جهة، وما يتولد عن هذه الثورة من خلافات ومناظرات فيما بينهم مع كل حدث نضالي حول التكتيك السليم الذي يمكن أن يأخذ الثورة خطوة جديدة إلى الأمام من جهة أخرى، يؤكد على دور القيادة الثورية واضحة الرؤية التي تحمل الخبرات النضالية التاريخية للطبقة العاملة.

فالماركسية بوصفها نظريةً للتغيير الثوري تطرح تصورًا ماديًا جدليًا لطبيعة تغيير المجتمع الإنساني، فترى التغيير يقع في المسافة بين الحزب والطبقة أو كما تقول روزا لوكمسمبورج فالعلاقة بين النضالات الاقتصادية العمالية من أجل أجور أعلى وظروف عمل أفضل، والنضال لتطوير الأهداف السياسية للحركة العمالية علاقة شديدة التبادلية، فالعمال لا يمكنهم النضال من أجل تحسين شروط العمل في مناخ سياسي غير ديمقراطي، كما أنه لا يمكن أن يتحقق هذا المناخ السياسي الديمقراطي دون مشاركة عمالية في النضال السياسي لذا فالصراع الطبقي وليس الحتمية الاقتصادية هو ما يصنع التغيير.

بالتالي فالحزب الثوري الذي يضم العناصر الأكثر تقدمًا على مستوى الوعي هو حلقة أساسية في عملية التطور التاريخي ولكن هذه الحلقة تكتسب أهميتها فقط من كونها حلقة ضمن سلسلة مركبة ومرتبطة من التفاعلات في القلب من الصراع الطبقي.

وبدون قيادة ثورية سيسير التطور العفوي لحركة العمال في اتجاه الخضوع للإيديولوجيا البرجوازية ذلك كون الإيديولوجيا البرجوازية، كما يقول لينين: "هي أقدم من حيث منشأها من الأيديولوجيا الاشتراكية بكثير، ولأنها وُضعت بصورة أكمل من جميع الوجوه، ولأنها تتصرف بوسائل النشر أكثر بما لا يُقاس".

اقرأ/ي أيضًا:

سلافوي جيجك.. الاستشفاء بجرعة لينينية
كفر موسكو.. لا حزب ولا مقهى