21-نوفمبر-2015

الجيش المصري في حراسة أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات البرلمانية في 2015 (Getty)

تأسست معظم جيوش الدول العربيّة الحديثة في الفترة التي انهارت فيها السلطنة العثمانيّة في عشرينيات القرن الماضي، نواة هذه الجيوش تألفت من ضباط سابقين في الجيش العثماني كمثالها: فوج الإمام موسى الكاظم الذي تشكل في كانون الثاني/يناير من العام 1921 ليكون نواة الجيش العراقي.

في عام 1824، في عهد محمد علي، تأسس أول جيش نظامي عربي في مصر

الجيش الأردني تشكل في العام 1921، وكانت نواته من رجال الثورة العربية الكبرى الذين خرجوا مع الأمير عبد الله بن الحسين من الحجاز إلى بلاد الشام، وكان الأمير عبد الله هو مؤسس أول فرقة ضمت حوالي مائتين وخمسين جنديًا. بينما يتبنى الجيش المصري رواية أن أول جيش نظامي تأسس من المصريين كان في العام 1824 في عهد محمد علي، وبذلك يكون أقدم الجيوش العربية.

معظم الجيوش العربيّة تكونت بشكلها الحالي بعد ترسيم حدود الدول بشكلها الحالي في بدايات القرن العشرين ومن ثم في فترة ما بعد الاستقلال من الاحتلالات الأجنبية المختلفة للبلدان العربية في منتصف القرن الفائت. حاليًا وحسب معظم تصنيفات أقوى الجيوش العالمية، وفي مقدمتها موقع global fire power، المهتم بالشؤون العسكرية فإن الجيوش العربيّة تحتل مكانات لا بأس بها، بل متقدمة كحالة الجيشين المصري والسعودي اللذين يحتلان المرتبتين الأولى والثانية عربيًا، والثامنة عشرة والثامنة والعشرين، على التوالي، عالميًا، وذلك بميزانيات دفاعيّة تصل إلى أكثر من أربعة مليار دولار في الحالة المصريّة.

في العصر الحديث، كانت حروب الجيوش العربيّة مقتصرة على عدة حروب خاسرة أو انتصارات شبه زائفة، وفي تعداد هذه الحروب نذكر حرب 1948، أو النكبة، ومن ثم العدوان الثلاثي على مصر 1956، فحرب تشرين الأول/أكتوبر بين مصر وسوريا من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى في العام 1973، إلى حربي الخليج بين العراق وإيران أولًا، ثم احتلال العراق للكويت والحرب التي دارت بعد ذلك. بعض الحروب أخذت طوابع ميلشيوية كالحرب الأهليّة في لبنان، كذلك العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، أو حروب احتلال كما يفعل الجيش المغربي في الصحراء الغربيّة.

في السنوات الأخيرة، كانت مهمة بعض الجيوش العربيّة في الدول التي خاضت تجارب ثورات "دول الربيع العربي" مقتصرة على تنفيذ رغبات الأنظمة الحاكمة، وقمع الشعوب الثائرة المطالبة بحريتها وذلك بطرق مختلفة، ففي سوريا مثلًا كان الجيش هو أداة السلطة في القتل والتهجير والتعذيب وقمع صوت الشعب، كذلك في البحرين، في ليبيا واليمن تحول الجيش إلى ميليشيات متقاتلة لصالح أطراف مختلفة، بينما التف الجيش في مصر على تطلعات الشعب المصري وسيطر على السلطة مرة عن طريق المجلس العسكري، ومرة أخرى عن طريق المشير عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهوريّة الحالي.

تسوّق الجيوش العربية نفسها بأنّها جيوش صاحبة انتصارات كبيرة وذات تاريخ حافل بالمجد والشرف، وتُظهر نفسها بأنّها تحمي الشعب والمدافع الرئيسي عن هذه الدول، والحجة دائمًا هي الاستعمار والإمبرياليّة والصهيونيّة المتمثلة بإسرائيل، وتستهلك هذه الجيوش الحصة الأكبر من ميزانيات الدول العربيّة.

تعتمد الجيوش العربية على اجتراح الانتصارات الزائفة وتسويقها لدى الشعب كي يبقى الجيش مثلًا أعلى

هذه الجيوش تفتقر إلى عنصر مهم يساعد في تطورها وهو النقد، فيكاد لا يخرج أحد ينتقد الجيوش العربيّة، وإن خرج أحدهم يومًا فسوف ينعت بالخائن مباشرة، وقد يحاكم بأحكام تصل إلى السجن المؤبد كما يحدث في مصر حاليًا منذ استلام السيسي سدّة الحكم في البلاد. وكما نلاحظ، وكما يصلنا من داخل هذه المؤسسات العسكريّة، فإنّها تفتقر كذلك إلى النقد الذاتي وشعارها الأوحد: نَفِذْ ثم اعترض.

هذه المؤسسات تفتقر إلى المراجعات الحقيقية لسياساتها وأفعالها وحروبها، بل تعتمد بشكل رئيسي على اجتراح الانتصارات الزائفة وتسويقها لدى عامة الشعب كي يبقى الجيش هو المثل الأعلى والعنصر الرئيس في تشكيل الدول العربيّة. يساعدها في هذا وبشكل رئيسي الإعلام المسيس. الإعلام العربي هو الرافد الرئيسي للمؤسسة العسكريّة، وهو المسوق الأساسي لانتصارات الجيوش العربيّة الزائفة، هذا الإعلام الذي ساهم في تشويه صورة الثورات العربيّة ما فتئ يحسّن صورة هذه الجيوش ويعرض بطولاتها ويسوق سياساتها وأجنداتها، ضمن سياسة إعلاميّة ممنهجة مستمرة، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر.

لا يسعنا في هذه العجالة إلا القول بأنّه يتوجب على الإعلام العربي أن يرتقي إلى مستوى تطلعات شعوبه، وأن يساير ركب الآمال المنعقدة عليه، خاصة أنّه الوسيلة الأكثر تأثيرًا في الشعوب العربيّة التي تتفشى فيها الأميّة بشكل كبير.

اقرأ/ي أيضًا:

صح النوم يا سوريا

سوريا.. أسئلة برسم الإخوان المسلمين