10-فبراير-2016

350 ألف زوج في الجزائر يعانون من مشكل تأخر الإنجاب (فايز نورالدين/أ.ف.ب)

تنكسر نفسها عند سماعها سؤال: "هل لديكم أطفال؟". فعند الجواب بـ"لا"، تنهال عليها الأسئلة، كسيل من الأمطار: "لماذا لم تنجب إلى الآن؟ وهل راجعت الأطباء؟ وغيرها من الأسئلة المقيتة. غالبًا، ما تنسحب وفاء من مجلسها خصوصًا إن كان مجلسًا عائليًا، فالجميع يتساءلون ويتباحثون في أمر إنجابها.

يعاني 350 ألف زوج في الجزائر من مشكل تأخر الإنجاب، حسب إحصاءات لوزارة الصحة والسكان الجزائرية 

تقول وفاء لـ"الترا صوت": "في أغلب الأسر الجزائرية يزداد الفضول، عقب زواج شخصين، عن الحمل والإنجاب، لذلك كثيرًا ما أعتذر عن حضور الولائم والمناسبات العائلية، الكلمات الجارحة تلاحقني، يوجهون إلي الاتهام بالعقم وهذا قاتل". سبع سنوات كاملة، زارت خلالها وفاء وزوجها عددًا كبيرًا من الأطباء، وصرفا الكثير من المال. تواصل وفاء سرد قصتها بحزن: "مللت أماني الأهل والأصدقاء، مللت تغامزهم، ومللت خاصة تجاوزهم خصوصياتي في الكثير من الأحيان".

كثيرات في الجزائر هن "وفاء"، والكثير من الأزواج ظلوا أوفياء للعلاقة الزوجية واجتهدوا من أجل استمرارها لكن مع تقدم السن تضعف فرص الإنجاب أكثر وأكثر. تقول السيدة مليكة بن زكري، لـ"الترا صوت": "أنا في حيرة فالتحاليل تثبت أننا يمكن أن ننجب لكن، لم يبق أمامي إلا القول، أن لم تأذن مشيئة الله".

حالات مختلفة في قاعات انتظار المصحات والمستشفيات الجزائرية، من أجل أخذ عينات من الدم ومراجعة الطبيب المعالج، المكان يعج بالعشرات إن لم نقل المئات، قدموا من مختلف المناطق الجزائرية، وجوه حزينة تنتظر المجهول خصوصًا أولئك الذين انقطعت بهم السبل من أجل إنجاب طفل. تقول الدكتورة سعاد براهيمي، الأخصائية في علاج العقم والإنجاب، لـ"الترا صوت" إن "استقبال أزواج يعانون تأخرًا في الإنجاب أصبح مع مرور الوقت صعبًا، تكون حالة الوافدين إلى مركز التلقيح الاصطناعي متدهورة نفسيًا مع تراكمات السنين". وتضيف: "هناك عوامل جمة تتدخل في عملية الإنجاب والتلقيح الاصطناعي قبل وبعد العملية، لكن العامل النفسي مهم جدًا أيضًا في أي تدخل طبي".

حسب الدكتورة براهيمي، "يتخوف عديد الأزواج من أن تعلن نتائج التحاليل عن عقم دائم، إذ إن ذلك يعني بداية رحلة البحث عن حلول ناجعة قد تدخل الزوجين في عذاب دوامة العلاج سواء في المراكز الخاصة الجزائرية أو خارج الوطن في تونس أو الأردن وهو ما يكلفهم ماديًا".

الجزائر.. مركز مجاني وحيد للإنجاب

الآلاف ينتظرون أدوارهم للحصول على موعد من أجل العلاج في المركز الوطني للإنجاب، وهو المركز المجاني الوحيد في الجزائر والذي تدعمه الحكومة، وهو بذلك أساسًا مقصد الأسر محدودة الدخل والفقراء، من أجل العلاج أو التلقيح الاصطناعي. يقول الدكتور مشطوح مقران، رئيس مصلحة بالمركز، لـ"الترا صوت": إنهم "يستقبلون معدل مائة زوج يوميًا، بعض الحالات لا تستدعي التلقيح الاصطناعي ولكن تحتاج المتابعة الطبية المستمرة ووصفات أدوية ولو تطلب الأمر سنوات والبعض الآن قد يحتاج تلقيحًا اصطناعيًا أو علاجًا أكثر تطورًا".

لا توفر الجزائر إلا مركزًا مجانيًا واحدًا لعلاج تأخر الإنجاب والعقم وتتجاوز عدد الملفات على قائمة انتظار المركز 7 آلاف ملف 

عدد الملفات الموجودة في سجل قائمة الانتظار في هذا المركز تجاوز سبعة آلاف ملف، حيث كشفت إحدى السيدات لـ"الترا صوت" أنها "قدمت من أجل العلاج قبل أربع سنوات ولا تزال تنتظر الفرج"، على حد تعبيرها. كما كشف أحد الأزواج أن هناك نقصًا في بعض الوسائل الطبية في المركز المجاني والمتعلقة خاصة بنقل خلايا البويضات للسيدات وكذلك السائل المنوي للرجال، وهو ما يدفع الأزواج إلى البحث عن حلول أخرى لدى المصحات الخاصة، وهنا تبدأ رحلة البحث عن الثمن وكيفية الدفع. 

350 ألف زوج في الجزائر يعانون من مشكل تأخر الإنجاب، بحسب إحصاءات وزارة الصحة والسكان الجزائرية، رقم برأي ثريا بن رجم، الباحثة في علم النفس، يعتبر "ضخمًا"، خصوصًا وأن الحالات في الجزائر قد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال العشرين سنة الماضية وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات عن أسباب انتشار العقم في الجزائر.

كما شددت الباحثة، التي قدمت دراسة عن العقم وارتباطاته بالمشاكل النفسية والاجتماعية في الجزائر، في تصريحها لـ"الترا صوت" أن "معاناة الأزواج تبدأ قبل الزواج مع مختلف الضغوطات النفسية التي يعرفونها بسبب العادات والتقاليد الجزائرية لتتفاقم بعد الزواج في ظل غلاء المعيشة وانتشار المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وتزداد المعاناة إذا تأخر الإنجاب أو تعذر" وتؤكد أن "لمحيط الزوجين دور مهم في وصولهم إلى نتائج إيجابية".

اقرأ/ي أيضًا:

الدين والعائلة.. الولد (ليس) سرّ أبيه دائمًا

ليس قسمةً ولا نصيبًا.. الزواج هنا تقليد!