15-فبراير-2016

مشهد لحقل في أحد الأقاليم المصرية (Getty)

"نازل مصر"، هذا هو المصطلح الذي يستخدمه أبناء الأقاليم، أيًا كان بُعدها أو قربها من العاصمة، حينما يصفون سفرهم إلى القاهرة.

يعبر هذا المصطلح عن المعاناة التي عاشتها وتعيشها أقاليم مصر بشكل عام، بحريها وقبليها، منذ أوائل القرن الماضي. حيث ويلات التهميش الثقافي والاجتماعي، نتيجة المركزية المقيتة التي جعلت جُل موارد البلاد تتركز في القاهرة، فإذا كُنت مبدعًا، فلن يسمع عنك أحد إلا إذا انتقلت إلى القاهرة، وعملت هناك، ومن لا تسعفه علاقاته في العمل في العاصمة فمصيره في مؤسسة غير معروفة، قليلة الموارد.

لا تنقطع إعلانات مشاريع تنمية الأقاليم في مصر، منذ عهد حسني مبارك، ومخططات تنمية سيناء والصعيد، والخطط الخمسية التي أصبحت محط سخرية الجميع

ففي الأقاليم، لا يوجد العدد الكافي من أفرع المؤسسات والوزارات والمصالح الحكوميّة الخدميّة العامة مثل المدارس والمكتبات والمُستشفيات والوحدات الطبية والأنديّة والجرائد القومية والخاصة كالتي تتوفر في العاصمة، كذلك لا يوجد هناك أي فرع لأي مؤسسة ذات سيادة يمكن الاعتماد عليها، بل أحيانًا يضطر الناس للذهاب إلى القاهرة لاستخراج الأوراق الرسميّة أو الحصول على ختم مُعيّن!

دُور النشر في الأقاليم قليلة وشبه منعدمة، وقصور الثقافة الحكومية نفس الشيء، بالتالي لا يجد طلبة الفكر أي جرعة ثقافية يمكن الحصول عليها في تلك المناطق، بل يلجؤون للنزوح إلى القاهرة لنشر أعمالهم، وحضور الندوات والمؤتمرات ومناقشة الرسائل العلميّة.

محافظ أسيوط -فترة حكم الرئيس محمد مرسي- د.يحيى كشك، قال في مايو عام 2013، إن الصعيد عانى على مدار الستين سنة الماضية جراء التهميش والإهمال حتى أصبح أفقر المحافظات في مصر.

كان هذا خلال لقائه في برنامج كشف حساب على القناة الأولى المصرية الرسمية، حيث أكد أنه رغم هذا التهميش، إلا أن محافظة كأسيوط مثلًا، تحتل المركز الأول في إنتاج الفاكهة خاصة الرمان وتغطي 90% من إنتاج مصر الذي يصدر للخارج.

هذا التهميش وصلت إحدى صوره، إلى قرار وزير التعليم العالي، السيد عبد الخالق، نهاية أغسطس الماضي، تطبيق التوزيع الإقليمي على الطلاب الراغبين في الالتحاق بكليتي الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، وحصْر الالتحاق بهما في طلاب القاهرة الكبرى وإقليم القناة وسيناء، رغم عدم تواجد مثيل لهما في الأقاليم، ما مثّل كارثةً تعليمية بحسب مدير مركز إدارة الأزمات المصري.

وإذا كانت هذه هي العقلية الحكومية التي تتعامل مع طلاب الأقاليم المتفوقين الحاصلين على درجات عالية، فكيف يكون التعامل مع المبدعين المستقلين، أو حتى الراغبين في الحصول على وظائف داخل الجهاز الإداري للدولة، أو في القطاع الخاص، يتساءل أحد الخريجين.

الأقاليم.. حلم التنمية

لا تنقطع إعلانات مشاريع تنمية الأقاليم، فمنذ عهد المخلوع حسني مبارك، ومخططات تنمية سيناء والصعيد، والخطط الخمسية التي أصبحت محط سخرية الجميع، لا تتوقف الأنظمة عن الإعلان عنها، فمرورًا بسيناء، ثم انتهاءً بالصعيد، لم تقم الدولة المصرية بأي من واجباتها تجاه مواطنيها في هذه الأقاليم، سوى بالإعلان فقط عن بدء مشاريع التنمية.

ملفات تنمية الصعيد على سبيل المثال، استخدمتها الحكومات السابقة والسياسيون على مدى عقود كورقة سياسية، ثم ما تعود هذه الملفات إلى أن تختفي بانتهاء الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، وتعود للظهور من جديد مع إجراء انتخابات، أو حدث سياسي جديد.

سيناء، وبعد خروج المحتل من الأراضي المصرية، ظلت أزمة التنمية تظهر مع كل ذكرى لتحرير أرض الفيروز، وعبر أربعة وثلاثين عامًا لا تزال سيناء تبحث عن الأمل، رغم إمكانياتها الهائلة.

ففي شبه الجزيرة مناجم نحاس ومنجنيز وكبريت، فضلًا عن مناطق استخراج الفحم في مناطق المغارة وعيون موسى وأبوزنيمة، وأيضا آبار البترول ومناطق استخراج الكاولين وكلوريد الصوديوم وغيرها.

الإمكانيات الهائلة في سيناء لا تزال على حالها، في انتظار تحقيق الوعد بالتنمية، المتكرر منذ خروج الاحتلال.

مئات الوعود أطلقها المسؤولون عن خطط التنمية المنتظرة، ذهبت جميعها مع الريح، لتبقى الأوضاع التنموية داخل أرض الفيروز، على ما هو عليه بل تزيد سوءًا أكثر فأكثر، مع ازدياد نفوذ التنظيمات المسلحة هناك، وفشل الدولة وأجهزتها في مواجهتهم، بل وأصبحت الدولة من خلال حزمة من الإجراءات والقرارات القمعية، مصدرًا لأوجاع جديدة للسيناويين، آخر هذه الأوجاع، عملية التهجير القسري لأكثر من ألف عائلة كانوا يقطنون الشريط الحدودي مع قطاع غزة، قامت السلطات بقطع الآلاف من أشجار الزيتون، وتجريف مساحات شاسعة من الأراضي المزروعة.

اللواء شوقي رشوان، المعين رئيسًا للجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء عام 2012، قال في تصريحاتٍ صحفية في إبريل الماضي، إن سيناء تعرضت لظلم كبير خلال العهود السابقة، وأهملها الحكام، ما خلف الفقر والبطالة والجهل، ومن وجهة نظره، فإن هذه المخلفات، تعتبر الأسباب الرئيسية في تكوين العناصر الإرهابية التي تنفذ عمليات مسلحة ضد الجيش والشرطة هناك حاليًا، ما يؤكد صحة الأحاديث بأن العنف الموجود في سيناء سببه الرئيسي هو الإهمال الذي عانته هذه المناطق، أي أن الدولة المصرية على مدار عقود، هي المتهم الرئيسي في هذا الإرهاب.

 يبرز دور مؤسسات المجتمع المدني العاملة في كُل المجالات في الأقاليم المصرية، في ظل عجز الدولة وفشلها في تلبية احتياجات المواطنين

وبوصول تعداد المصريين اليوم إلى أكثر من تسعين مليون نسمة، لا يقطنون أكثر من 5% من مساحة مصر، فإنه من الضروري تنمية المناطق غير المأهولة بالسكان، الغنية بالموارد لاستيعاب هذه الموارد البشرية التي تعج بها القاهرة وبعض المحافظات القليلة، وهذا ما قد يحُل مشكلة الانفجار السكاني، والتكدسات السكانية، وأزمات بيئية وصناعية، وأمنية أيضًا، إن كانت الدولة تفكر في عسكريتها أولًا، كما هو الحال الآن.

بسمة أمل

انتشر قبل فترة، منشور على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، يقول، إذا كانت الجمعيات الخيرية تقوم بإعالة بعض الأسر غير القادرة، ويقوم بنك الطعام المصري على تقديم بعض السلع الغذائية للمحتاجين، وتقوم الجمعية الشرعية بتزويج غير القادرات، وتقوم مستشفياتها بعلاج مجاني لمن يريد، ماذا تفعل الدولة؟

هنا يبرز دور مؤسسات المجتمع المدني العاملة في كُل المجالات، في ظل عجز الدولة وفشلها عن تلبية احتياجات المواطنين، بل وسعيها إلى رفع الدعم دون إبراز بدائل لهذا الدعم.

في الصعيد، أسس مجموعة من الشباب عام 2011 مبادرة صعيدي جيكس، وهي مبادرة تهدف إلى تنظيم وتوزيع جهود الشباب المصري لإقامة مجتمع جديد لرواد الأعمال من التقنيين يهدف إلى نهضة ورقي الصعيد كجزء لا يتجزأ من مصر. استمرت جهودها على مدار السنوات في نجاح كبير حتى جذبت دعم ورعاية شركات عالمية واتسع نشاطها حتى أصبح يغطي العديد من المحافظات بمصر. وتعد الآن أول منصة لرواد الأعمال والتقنيين بصعيد مصر.

وتقول المنصة عبر موقعها الرسمي أنها تهتم بتكوين حلقة وصل بين روّاد الأعمال وأصحاب الخبرات والفكر والهدف الواحد، وخَلق مجتمع تقني لروّاد الأعمال والمطورين والمبرمجين والمصممين لتبادل الأفكار ونقل الخبرات.

كما تسعى المبادرة إلى تمكين المرأة الصعيدية في مجال التقنية والتكنولوجيا وتأهيل ذوي الإعاقة والمكفوفين وتعزيز قدراتهم في المجال التقني والتكنولوجي.

أندرو عزمي، مدير المحتوى بصعيدي جيكس، يقول في إحدى تدويناته، أنهم يسعون إلى بناء مجتمع من "المهاويس التقنيين" بصعيد مصر يساعدهم على التشبيك بأقرانهم، باختصار نحلم بتأسيس سيلكون فالي بمصر تنطلق من الصعيد.

المنصة، أعلنت بداية العام الجاري، استفادة مئات الشباب والشابات من أبناء الصعيد لورش العمل التي أقاموها العام الماضي في مجالات البرمجة والتصميم ووسائل التواصل الاجتماعي.

نجاح المبادرة في الصعيد، جعلها تُطلق مشروع غزة جيكس، ضمن برنامج الانتشار الإقليمي، والذي يهدف للتوسع في العالم العربي وتحقيق التنمية المستدامة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومحو الأمية التقنية والتكنولوجية بكل المناطق المهمّشة والتي تعاني من المركزية المعلوماتية في العالم العربي وليس صعيد مصر فقط.

اقرأ/ي أيضًا: 

هل يحمل الأطباء لواء الثورة؟

مصر..معارك الاستعراض والاستعراض المضاد