07-فبراير-2016

حنين زعبي في مواجهة جنود الاحتلال أثناء دعم محمد علان (Getty)

متابعة الحملات الهجومية المستمرة التي يقودها نتنياهو ضد حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ربما تستدعي العودة إلى بدايات الهبة الجماهيرية الحالية في القدس والضفة لفهم كيف تطورت الأحداث. بدأ الأمر بأحاديث عن التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى ورفض فلسطيني واسع، الرفض العملي كان في المسجد الأقصى نفسه من خلال الرباط المستمر والتصدي للاقتحامات والتواجد الفلسطيني الكثيف في المسجد. الحكومة الإسرائيلية والدوائر الأمنية رفضت هذا التحدي المنظم وغير المسبوق وقمعته بكل الوسائل، تصاعد التحدي والقمع قاد إلى انفجار الأحداث في القدس والضفة.

يرى الإسرائيليون تهديدًا وجوديًا في حزب التجمع وغيره من الأحزاب العربية في الداخل

الملمح الأبرز في الضفة كان العمليات الفردية، والملمح الأبرز في الداخل والقدس كان التنظيم، وإسرائيل أدركت ذلك سريعًا.

في تصريحاته المثيرة حول الوضع الأمني، يظل وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعلون يركز على فردية الأحداث في الضفة، واستخدم عبارات من قبيل "أفراد متمردون، في محيط مسالم"، وتواصل هذا التشديد بعبارات أخرى، ترى أن ما أنجز في الضفة من تنسيق أمني وردع لأي جهد مضاد للاحتلال خلال السنوات الماضية، يجب ألا يتم التعامل وكأنه يفشل أمام الهجمات الفردية. يعلون يبث الثقة في ما أنجزته الأذرع الأمنية في الضفة بالتنسيق مع السلطة، ويرفض أن تتعامل إسرائيل مع ما يجري وكأنه مواجهة مفتوحة مع محيط من الأعداء. هذا في الضفة.

ولكن في الداخل بدا واضحًا أن المقاربة مختلفة، والحرب الإعلامية والأمنية انفتحت على الأجسام التنظيمية الفاعلة في الداخل، وتجلى الأمر بحظر الحركة الإسلامية، التي تراها إسرائيل تنظيمًا واسعًا قادرًا على تحريك قطاع واسع من الفلسطينيين في الداخل وتحشييدهم في قضايا مختلفة. ثم بعد حظرها واقتحامات مؤسساتها والتضييق عليها بكل طرق المصادرة والتحقيق المستمر، كان التوجه صوب الجسم التنظيمي الآخر المؤثر والفاعل، حزب التجمع، بحملات إعلامية وتصريحات يقودها بنيامين نتنياهو نفسه، آخرها تقديمه شكوى للكنيست باسمه شخصيا ضد نواب الحزب لالتقائهم بعوائل شهداء فلسطينيين، وقبلها محاكمة القيادية في الحزب حنين زعبي، بتهمة إهانة الشرطة بعد حرق الطفل محمد أبو خضير على يد مستوطنين في القدس، ومعها الحملات المستمرة لتنظيم حملات تطالب بإخراج نواب الحزب من الكنيست، كتمهيد لإجراءات تصعيدية أكبر ضد الحزب ككل.

بالإضافة إلى موجات الحملات المستمرة ضد التجمع طوال السنوات الماضية، لما يشكله الحزب وما يمثله من ثقل عربي في الداخل، وبالإضافة إلى مقولاته السياسية المناوئة والمأزمة لمقولة يهودية إسرائيل وبنيتها الاستعمارية، يظهر التجمع اليوم، كتحد لنتنياهو وحكومته بسبب طبيعته التنظيمية القادرة على التحشيد والعمل وتحريك الفلسطينيين في الداخل في سبيل القضايا الوطنية، وتحديدًا التحرك المرافق لأي توتر في الضفة الغربية وغزة.

هنالك استهداف مفتوح لأي شكل تنظيمي في الداخل، والهجمة تحدد الفاعلين ومقدار تصور الحكومة الإسرائيلية لخطرهم وترتيبهم على سلم الاستهداف. مجرد وجود بنية تنظيمة فاعلة في الوسط الفلسطيني في الداخل هو التحدي الأهم كما هو واضح بالنسبة لإسرائيل، فما بالك إن كان ذلك التنظيم في ممارسته ومقولاته يشكل منذ وجوده معضلة بالنسبة للاحتلال وحكومته.

يظهر التجمع كتحد لنتنياهو وحكومته بسبب طبيعته التنظيمية القادرة على التحشيد والعمل وتحريك الفلسطينيين في الداخل

يمكن الحديث طويلًا عن الحملات التي تشن إعلاميًا والمحاكمات التي تتوالى بدءًا بقضية مؤسس الحزب عزمي بشارة، وصولًا إلى محاكمة حنين زعبي اليوم، مع كل تنوع أحجام التهم والمواكبة الإعلامية الهجومية على الفلسطينين في الداخل، والوصول إلى استنتاجات كثيرة حول ما يراه الإسرائيليون تهديدًا في التجمع وغيره من الأحزاب العربية في الداخل.

ولكن الأهمية اليوم هي للتنبه إلى القلق من فكرة التنظيم المرن القادر على التوسّع وتحشيد الناس. إن إصرار دوائر الأمن الإسرائيلي على فردية العمليات في الضفة، هو تأكيد على أهمية ما أنجزوه في الضفة خلال السنوات الماضية، وإن التشديد على الطابع التنظيمي في أي اتهام أو هجوم على فلسطيني الداخل، هو تأكيد على خطر تحويل الفلسطينيين في الداخل من أفراد يستفرد بهم الجهاز الاستعماري إلى تنظيمات وأحزاب فاعلة واعية تجابه البنية الاستعمارية لإسرائيل. وتأكيد بديهي قبل هذا على العداء الوجودي القائم مع الأحزاب والتنظيمات العربية وأولها التجمع الوطني الديمقراطي.

الثابت اليوم أن الإسرائيليين لا يزالون غير قادرين على فهم وجود أحزاب للفلسطينيين في الداخل تنظق باسمهم وتدافع عن عروبتهم، إلا كخطر وجودي، ولا التعامل مع من عمل ليل نهار لتأسيسها وتثبيتها إلا كعدو أول،  يستدعي حملات إعلامية وأمنية منظمة وماكينات تشويه ومواجهة، تنشط في إسرائيل ويتردد صداها في وسائل إعلام عربية تلتقط النغمة الإسرائيلية وتعزف على إيقاعها.

اقرأ/ي أيضًا:

"فلسطينيو الداخل".. خط الدفاع الأول

الشباب الدرزي.. لن أخدم مُحتلي