04-ديسمبر-2015

من صور فرز نتائج التصويت في الجولة الثانية للانتخابات البرلمانية المصرية (Getty)

انتهت الانتخابات البرلمانية المصرية، التي تعد الاستحقاق الأخير في خارطة الطريق التي أُعلنت بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو 2013، مسفرة عن برلمان مؤيد للسلطة الحاكمة ورأسها الرئيس عبدالفتاح السيسي، وخالي من المعارضة. نرصد في هذا التقرير أبرز نتائج الانتخابات على مستوى القوائم والأحزاب والمستقلين وما تعبر عنه، كما نتتبع مصير المرشحين المحسوبين على ثورة 25 يناير 2011.

الصدمة الحقيقية كانت من نصيب قائمتي "النور" و"التحالف الجمهوري"، الذين خرجا صفر اليدين من معركة القوائم

"قائمة الدولة" تكتسح

حصدت قائمة "في حب مصر" الانتخابية كل مقاعد البرلمان المصري المخصصة للقوائم، والبالغ عددها 120 مقعدًا، حيث حصلت القائمة على 15 مقعدًا في قطاع شرق الدلتا قبل بداية المعركة الانتخابية باعتبارها القائمة الوحيدة التي تقدمت للانتخابات في القطاع، ومثلهم في قطاع غرب الدلتا، و90 مقعدًا عن قطاعي الصعيد والقاهرة الكبرى، بعد منافسة لم تكن صعبة مع القوائم الأخرى البالغ عددها 5 قوائم.

النجاح الكبير الذي حققته قائمة "في حب مصر" كان متوقعًا، فالقائمة التي يتزعمها وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، اللواء سامح سيف اليزل، توصف بأنها قائمة الدولة حيث تضم تحت لواءها عددًا كبيرًا من الأحزاب المؤيدة وضباط شرطة وجيش سابقين وقيادات سابقة في الحزب الوطني المنحل وشخصيات داعمة بقوة للنظام الحاكم في مصر.

وتضم القائمة في عضويتها 10 أحزاب وحركات سياسية، بينها حزب الوفد، الذي يرأسه رجل الأعمال ومالك شبكة قنوات الحياة السيد البدوي، وحزب المصريين الأحرار، الذي يموله مؤسسه رجل الأعمال الملياردير نجيب ساويرس، وحزب المحافظين، الذي يرأسه رجل الأعمال أكمل قرطام، كما تضم القائمة رجال وسيدات أعمال مستقلين مثل محمد فرج عامر، وسحر طلعت مصطفى، ما أمن معينًا لا ينضب من المال السياسي الذي استثمر جيدًا في الانتخابات.

ورغم ما حققته القائمة من نجاح كاسح إلا أنها لن تستمر موحدة تحت قبة البرلمان، بحسب تصريحات المتحدث الرسمي باسمها عماد جاد، الذي أكد أنها "تحالف انتخابي وليس سياسي، وبالتالي سينفض بمجرد إعلان النتائج ولن يستمر تحت قبة البرلمان بهذا الاسم".

الصدمة الحقيقية كانت من نصيب قائمتي "النور" و"التحالف الجمهوري"، الذين خرجا صفرا اليدين من معركة القوائم، وهو ما دفعهما إلى تحميل المال السياسي، الذي صرف في الانتخابات، مسؤولية خسارتهما، وهو ما عبرت عنه منسقة التحالف الجمهوري، تهاني الجبالي، بقولها أن "المنافسة في انتخابات مجلس النواب لم تكن متكافئة؛ ﻷن المال السياسي كان الفيصل في تحديد نتائجها"، وعبر عنه رئيس حزب النور، يونس مخيون بتساءله: "هل من دفع هذا الكم الهائل من الرشاوى الانتخابية ليصل إلى البرلمان يمكن أن يشعر بآلام المواطن وهمومه أم سيسعى لتعويض ما دفعه ليطفئ نار قلبه؟".

المصريين الأحرار.. حزب الأكثرية

احتل حزب المصريين الأحرار المرتبة الأولى في سباق حصد مقاعد البرلمان، حاصلًا على لقب "حزب الأكثرية" بـ65 مقعدًا، وهو أمر متوقع؛ فالحزب ذو التوجه الليبرالي يعتبر أكبر الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية في مصر، وظهر في الانتخابات متماسكًا قادرًا على تخطي أزمته الداخلية، الناتجة عن عدم إجراء انتخابات رئاسة الحزب منذ ما يقرب من عام ونصف، كما أن الحزب لا يعاني من أزمة في التمويل، مثل غيره، بسبب الدعم الكبير الذي يوفره مؤسسه الملياردير نجيب ساويرس.

احتل حزب المصريين الأحرار المرتبة الأولى في سباق حصد مقاعد البرلمان، حاصلًا على لقب "حزب الأكثرية" بـ65 مقعدًا

وحقق الحزب القادم من السماء، ذو العام الواحد؛ مستقبل وطن ما لم تسطع أن تحققه أحزابًا أخرى أكبر منه عمرًا وأذيع منه صيتًا، حيث حل الحزب في المرتبة الثانية برصيد 50 مقعدًا. لا يبدو الأمر غريبًا فالحزب الصاعد بقوة يحظى بدعم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي شخصيًا، فرغم أن رئيس الحزب محمد بدران لم يبلغ السن القانوني الذي يسمح له بالترشح إلى الانتخابات البرلمانية، إلا أن قرب الشاب من الرئيس السيسي أعطى لحزبه ثقلًا لا يستهان به في الحياة الحزبية المصرية، وجعل البعض ينظر إليه باعتباره حزب السلطة الحاكمة الجديد.

وحل حزب الوفد في المرتبة الثالثة برصيد 45 مقعدًا، وهي نتيجة كبيرة إذا وضع في الحسبان الأزمات الداخلية التي عصفت بالحزب خلال الفترة الماضية وأدت إلى إنهاكه واستنزاف موارده.

وجاء حزب حماة الوطن، الذي شكل عددًا من العسكريين المتقاعدين عماده، في المرتبة الرابعة برصيد 17 مقعدًا، بينهم 5 لواءات سابقين وعميد في الشرطة.

وحجز حزب الشعب الجمهوري، الذي يخوض الانتخابات البرلمانية للمرة الأولى في عمره القصير، 13 مقعدًا تحت قبة البرلمان، بعد اعتماده على نواب سابقين في الحزب الوطني المنحل ومرشحي العائلات الكبيرة.

الصدمات تتوالى على حزب النور، فالحزب الذي كان يعول على أصوات الإسلاميين باعتباره ممثلهم بعد خروج جماعة الإخوان المسلمين من المسرح السياسي، حصل على 12 مقعدًا فقط. ويظهر حجم الصدمة بوضوح إذا ما قورنت توقعات رئيسه يونس مخيون يما حققه الحزب على أرض الواقع؛ فالرجل كان يتوقع أن يحصل حزبه على 20% من مقاعد البرلمان أي ما يعادل 120 مقعدًا، استيقظ على واقع امتلاكه 12 مقعدًا فقط.

وحصل حزب المؤتمر على 12 مقعدًا هو الآخر، في مفاجئة غير متوقعة، بعد اعتماده على مسؤولين حكوميين سابقين وأسماء ذات شعبية في دوائرها.

ومني حزب الحركة الوطنية، الذي أسسه رئيس الوزراء الأسبق، الفريق أحمد شفيق، بخسارة فادحة، حيث لم يحصد الحزب سوى على 5 مقاعد فقط. خسارة حزب شفيق كانت متوقعة فمؤسسه يعيش بمنفاه في الإمارات منذ العام 2012، والانقسامات والصراعات بين قيادات الحزب كان لا بد أن تؤثر على نتائجه.

وحصلت أحزاب المحافظين والسلام الديمقراطي المصري الديمقراطي والحرية على 6، 5، 4، 4 مقاعد على الترتيب، وتعادل حزبي مصر بلدي ومصر الحديثة بثلاثة مقاعد لكل منهما، فيما اكتفى حزبي التجمع والإصلاح والتنمية بمقعد واحد فقط لكل منهما.

أما مصر العروبة؛ حزب رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، الفريق سامي عنان، فخرج صفر اليدين من الانتخابات البرلمانية بعد خسارة فادحة لمرشحيه الـ17 الذين دفع بهم في مرحلتي الانتخابات. وتعكس هذه النتيجة شعبية عنان، الذي يطرح اسمه في الدوائر الخاصة كبديلًا محتملًا للرئيس السيسي.

المستقلون.. مؤيدون للسلطة

حصل المستقلون، الذين شكل عمادهم مسؤولين سابقين في الجيش والشرطة وقيادات سابقة في الحزب الوطني المنحل ورجال أعمال، على 231 مقعدًا من المقاعد الفردية في البرلمان، وكان على رأسهم:

توفيق عكاشة؛ صاحب فضائية الفراعين، الذي خاض الانتخابات في دائرة طلخا ونبروة كمستقل وحصل على أعلى نسبة تصويت في الانتخابات

توفيق عكاشة؛ صاحب فضائية الفراعين المقرب من الدوائر المخابراتية، الذي خاض الانتخابات في دائرة طلخا ونبروة كمستقل وحصل على أعلى نسبة تصويت في الانتخابات البرلمانية، ويعتبر من أشد مهاجمي ثورة 25 يناير وداعمي السلطة الحاكمة، وينوي الترشح إلى رئاسة البرلمان.

مرتضى منصور؛ رئيس نادي الزمالك، الشخصية المثيرة للجدل بصراعاتها التي لا تنتهي. من أشرس المدافعين عن الرئيس السيسي ومهاجمي ثورة 25 يناير. فاز بمقعد في البرلمان عن دائرة ميت غمر، وينوي الترشح إلى رئاسة البرلمان.

عبد الرحيم علي؛ الإعلامي المقرب من الدوائر الأمنية والتي تمده بتسجيلات صوتية لرموز المعارضة ليذيعها في برامجه. فاز بمقعد في البرلمان عن دائرة الدقي، وشن هجمات إعلامية على عدد من مرشحي البرلمان معتبرًا إياهم يمثلون ثورة 25 يناير التي يناصبها العداء.

اللواء حمدي بخيت؛ "الخبير الاستراتيجي" المؤيد للجيش بقوة تجعله يدعي وجود جهاز يدعى "فري إنرجي" يولد الكهرباء دون فاتورة، ردًا على منتقدي جهاز اللواء إبراهيم عبدالعاطي لمعالجة الإيدز وفيروس سي. فاز بمقعد في البرلمان عن دائرة مدينة نصر.

معتز كمال الشاذلي؛ نجل قطب الحزب الوطني الراحل كمال الشاذلي، ترشح في دائرة والده السابقة (الباجور)، معتمدًا على ما كان لوالده من نفوذ، ويقول في أشهر تصريحاته أنه "يخوض الانتخابات وفاءً واستكمالًا لما وعد به والده الراحل أهل دائرته".

محمد أبو حامد؛ نائب رئيس حزب المصريين الأحرار ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب داخل برلمان 2012، والذي استقال من الحزب في آذار/ مارس 2012. فاز بمقعد في الانتخابات عن دائرة الوايلي.

فؤاد بدرواي؛ السكرتير السابق لحزب الوفد، والذي خاض، خلال الفترة الماضية، صراعًا شرسًا مع رئيس حزب الوفد، السيد البدوي، باعتباره ممثلًا لتيار الإصلاح في الحزب، وقرر دخول الانتخابات في دائرة طلخا ونبروة كمستقل، وفاز بمقعد عن الدائرة.

اللواء تامر الشهاوي؛ لواء سابق في المخابرات الحربية، يلقبه أنصاره بـ"صقر المخابرات"، فاز بمقعد في البرلمان عن دائرة مدينة نصر.

اللواء علي الدمرداش؛ مدير أمن القاهرة السابق، أحيل إلى المعاش في مطلع العام الجاري، وفاز في الانتخابات البرلمانية بمقعد عن دائراة المطرية.

من يحسبون أنفسهم على الثورة

طرح عدد من المرشحين إلى انتخابات البرلمان أنفسهم باعتبارهم أبناء ثورتي 25 يناير و30 يونيو، كان من أبرزهم؛ الدكتور عمرو الشوبكي، الذي خسر المقعد البرلماني أمام أحمد مرتضى منصور، بفعل الهجمة الإعلامية الشرسة التي قادها الإعلاميين أحمد موسى، وعبدالرحيم علي، وتحالف منافسيه ضده.

ونجح مؤسس حركة تمرد، محمود بدر، في الحصول على مقعد في البرلمان عن دائرة شبين القناطر، بعد فوز قائمة "في حب مصر"، الذي ترشح على رأسها، في قطاع القاهرة الكبرى. خوض بدر الانتخابات على قائمة "في حب مصر" المدعومة من الدولة، ونجاحه معها، اعتبر إرضاء للرجل بعد رفض المحكمة الإدارية العليا طلب إنشاء حزب الحركة الشعبية العربية "تمرد"، الذي يرأسه.

أما طارق الخولي؛ العضو المؤسس في حركة 6 أبريل، ورئيس لجنة الشباب في الحملة الرسمية للسيسي في انتخابات الرئاسة لعام 2014، الرجل الذي خرج من رحم المعارضة إلى حضن النظام، عرف من أين تؤكل الكتف فخاض الانتخابات على قائمة "في حب مصر" في قطاع القاهرة الكبرى، ونجح معها فيما فشل في تحقيقه في انتخابات 2011 عندما كان ممثلًا لشباب الثورة من خلال قائمة "الثورة مستمرة".

وخاض المخرج السينمائي خالد يوسف، الانتخابات البرلمانية في دائرة كفر شكر كمستقل، معتبرًا نفسه ابنًا لثورتي 25 يناير و30 يونيو، واستطاع  أن يحجز لنفسه مقعدًا في البرلمان بعد فوزه في الجولة الأولى بأغلبية أصوات أهل الدائرة.

أحمد عيد؛ عضو لجنة الخمسين لتعديل الدستور الذي طرح للاستفتاء عليه في 2014، والذي شارك في تأسيس حزب الجبهة الديمقراطية، وانضم إلى حزب الدستور بعد تأسيسه، خاض الانتخابات في دائرة إمبابة باسم المصريين الأحرار، وخسر في جولة الإعادة بعد الهجوم الذي شنه الإعلامي عبدالرحيم عليه باعتباره من شباب ثورة 25 يناير.

نجل النائب المعروف الراحل أبو العز الحريري، هيثم الحريري، طرح نفسه في الانتخابات كممثل مستقل لثورة 25 يناير، وفاز بعضوية البرلمان عن دائرة محرم بك في الإسكندرية، مستفيدًا من الشعبية التي كان يتمتع بها والده بين أهالي المحافظة.

أما محمد عبد العزيز؛ العضو المؤسس في حركة تمرد، عضو لجنة الخمسين لتعديل الدستور المستفتى عليه في 2014، خاض الانتخابات باعتباره ممثلًا لثورتي 25 يناير و30 يونيو في دائرة "شبرا أول" وفشل في الحصول على مقعد في البرلمان أو خوض الجولة الثانية من الانتخابات.

وفشل عمرو عزت؛ أمين الشباب في حزب التجمع، الذي شارك في تأسيس حزب الغد في 2004، في الفوز بمقعد في البرلمان عن دائرة بولاق الدكرور، وخرج من المنافسة من الجولة الأولى.

وفي مفاجئة غير متوقعة خرج باسل عادل؛ العضو السابق في حزب الغد، والعضو المؤسس في حزب المصريين الأحرار، والعضو في حزب الدستور الذي انضم إليه بعد استقالته من المصريين الأحرار ثم تركه هو الآخر، من سباق الانتخابات البرلمانية من الجولة الأولى صفر اليدين بعدما طرح نفسه كمرشح مستقل عن دائرة مدينة نصر، رغم نجاحه في نفس الدائرة في برلمان عام 2011 ممثلًا عن حزب المصريين الأحرار.

وماذا بعد؟

يتوقع أن ينضم عدد من المستقلين الفائزين في الانتخابات إلى أحزاب مختلفة ليدعموا وجودها داخل البرلمان.

تبدو نتائج الانتخابات في إطار التوقعات مع استثناءات قليلة، فقائمة الدولة اكتسحت، والأحزاب والمستقلين الداعمين للسلطة الحاكمة ورأسها السيسي فازوا. إلا أن هذا التجانس الظاهر في قماشة البرلمان لا يعكس الحقيقة كلها، فالفائزون في انتخابات البرلمان وإن اتفقوا على معاداة الإخوان، واعتبر أغلبهم ثورة 25 يناير مؤامرة، وتعاقدوا فيما بينهم على كون الرئيس السيسي خط أحمر، إلا أنهم أيضًا يعبرون عن مصالح رجال أعمال ومراكز قوى متناحرة، ما يبشر بنوع جديد من الصراعات ستشهدها الساحة المصرية خلال الفترة المقبلة.

ليست النتائج المذكورة هي كل شيء فمن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تحالفات جديدة بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية، ويتوقع أيضًا أن ينضم عدد من المستقلين الفائزين إلى أحزاب مختلفة ليدعموا وجودها داخل البرلمان.

اقرأ/ي أيضًا: 

نظام السيسي..الجدار الورقي 

الوضع الاستثنائي لجامعة الأزهر يفاقم معاناة طلابها