12-أكتوبر-2015

الإعلام المصري لا يغطي الإنتفاضة كما يجب (عباس موماني/أ.ف.ب/Getty)

المفارقة المدهشة، في تناول الإعلام المصري للأحداث الجارية في فلسطين المحتلّة، تتمثّل في "أبلسة" الفلسطينيّين في قطاع غزّة. أحيانًا، يكون بعض الإعلام "لطيفًا". يتم "تجميلهم" أو "أنسنتهم" في الضفّة الغربيّة والقدس المحتلّة من ناحية أخرى، أما في غزة؟ فالوضع ليس مشابهًا تمامًا.

هذا الإعلام الذي لم ينفك عن تحقير الفلسطينيّين في القطاع منذ سقوط "الإخوان" وخلع الرئيس الأسبق محمّد مرسي، هو ذاته، يطرح اليوم تناقضه البائس فيما يحدث على السّاحة الفلسطينيّة من خلال صياغة الأخبار وتداولها بالطريقة التي تحلو له.

تقول "اليوم السّابع": "بالصور.. جميلات فلسطين يقاومن الاحتلال الإسرائيلي بالحجارة"، مرفقًا به صورًا للثائرات الفلسطينيّات على قوّات الاحتلال، بالتركيز عليهن وتهميش الشباب الثائر. وهذه هي المرة الثانية، في غضون شهر، التي ينفجر فيها "الكبت" الإعلامي، بعدما أفرط بعض الإعلام المصري في "التحرش" بمتظاهرات لبنان.

إقرأ/أيضًا: بيروت إذ خلعت الرداء الطوائف

الموقع ذاته، لا تفوته فائتة في التحريض على حركة حماس بوصفها الحاكم لقطاع غزّة، بل والإمعان في تجريم الفلسطيني على الشّاشات المصريّة المعارضة لـ"الإخوان" تحديدًا. أُبهرنا في المرّة الأخيرة حين قرأنا خبرًا على قناة CBC Extra  تحت عنوان: "استشهاد مستوطنين وإصابة 2 آخرين طعنًا في القدس... واستشهاد منفّذ العمليّة". توقّعنا بداية احتماليّة وجود خطأ فيتحرير الخبر وستتم معالجته على وجه السرعة إلّا أنّ القناة تأخّرت في الاعتذار الذي أتى بعد موجة من السّخط على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولا تتوقف "هفوات" الإعلام المصري عند هذا الحد، فإن ما تذكّرنا الحرب على غزّة، سنجد أنّ غالبيّة وسائل الإعلام المصري، لم تكن متعاطفة تمامًا مع الغزيين، بل عملت على شحن عواطف الشّارع المصري ضدّ المقاومة الفلسطينية، وتلقينه العديد العديد من المواد والروايات المفبركة. في فلسطين، وأنت تقرأ بعض الصحف المصرية، قد تشعر أن الفلسطينيين عدوّ بلاده اللدود.

وبصرف النظر عن الخطابات المصريّة المتطرّفة التي تقدّم على طبق من ذهب للإسرائيليّين، فإنّها بالمجمل باتت تُشكّل جزءًا من حالة تشفٍّ وحقدٍ بلغت ذروتها حين يطل "الإعلاميّون" المصريّين دون أدنى مسؤوليّة مهنيّة أو إنسانيّة مطالبين بسحق سكّان القطاع. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، في الحرب الأخيرة على غزّة، لم يستطع توفيق عكاشة الاكتفاء بالتشفّي بالفلسطينيين، بل ظلّ يدعو الجيش المصري إلى ضرب غزّة وإحدى مقولاته "الرنانة": "إن مصر كانت الأحق بضرب القطاع بدلًا من إسرائيل، لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي أضاع الفرصة."

بدوره توجه عمرو أديب بالتحية للإسرائيليين، قائلًا: "الفلسطينيّون يستحقّون ما هم فيه، يستحقّون أن ينتهوا". أمّا الكاتبة المصرية لميس جابر طالبت فقط بطرد الفلسطينييّن المقيمين في مصر، ومصادرة أموالهم، واعتقال المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، واصفة إياهم بالخونة، كما دعت –عبر حسابها الشخصي على فيسبوك- إلى غلق المعابر وعدم تناول القضية الفلسطينيّة في المناهج الدراسية والإعلام.

في الحرب الأخيرة على غزّة لم يستطع توفيق عكاشة الاكتفاء بالتشفّي بالفلسطينيين بل دعا الجيش المصري إلى ضرب غزّة

رغم كل شيء، يوجد مصريون متعاطفون مع القضية الفلسطينية، والشعب المصري يبقى شعبًا قدم الكثير من التضحيات ضدّ إسرائيل، لكن الآن، وأكثر من أي وقت مضى، ثمة حاجة لظهور حالة اعتراضية على الأبواق المعادية لفلسطين في مصر. هذه الأبواق التي تعمل على إنتاج بيئة خصبة لمزيدٍ من المظاهر العدائيّة المشيطنة للمحاصررين في غزة، ومساهمة في تشكيل صورة ضبابيّة لدى أولئك الذين يتلقّون دون تفكير.

أحيانًا، يزج باسم الفلسطيني في الأحداث التخريبيّة التي تشهدها مصر، وشبه جزيرة سيناء إلى أن بلغ الأمر مداه حينما اشترك القضاء المصري في اتّهام عدد من قيادات القسّام بالتورّط في قتل المتظاهرين بميدان التحرير، هذه القيادات التي هي في عداد الشّهداء تم توريطها أيضًا في أحداث صارت بعد مدّة من استشهادهم، كما عدد من الأسرى في سجون الاحتلال والمحكومين أصلًا بالمؤبّدات منذ أواخر الثمانينات. وبالنسبة للفلسطينيين، هذا ليس معقولًا ولا منطقيًا.

التحريض ضدّ الفلسطينيين، مفهوم من مستوطني "تدفيع الثمن". لكن من صحيفة مصرية؟ أو كاتب مصري، المصريون يجب أن يرفضوا هذا الأمر، قبل الجميع.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. إعلام برتبة شريك في الفساد