11-يونيو-2016

مصر واقعة في أحد أخطر ثنائيات الهيمنة بين العسكر والإعلام (Getty)

ما الذي يحدث في صناعة الإعلام المصري؟ هذا السؤال الذي أصبح ملحًّا بعد كثير من التغييرات التي تحدث في كواليس القنوات الفضائية المصرية الخاصة، ومن خلفها بيزنس الإعلام الخاص ككل. صفقات استحواذ واندماج، وجوه جديدة تدخل إلى الملعب ووجوه أخرى تعلن اعتزالها الاضطراري، مليارات تنتقل من هنا إلى هناك، وفصل جديد يبدأ في تاريخ الصناعة الإعلامية المصرية التي أضحت غامضة ومثيرة للجدل في السنوات الأخيرة.

مفاجآت كثيرة تحملها الأخبار المتنامية حول مصير بعض وسائل الإعلام الأكثر تأثيرًا في الشارع المصري

الكثير من التفاصيل والمفاجآت تحملها الأخبار المتنامية حول مصير بعض وسائل الإعلام الأكثر تأثيرًا في الشارع المصري، ومن ورائها تطفو على السطح أسماء رجال أعمال يبدو وكأنهم هبطوا بمظلاتهم فجأة على المشهد. في الواقع، إن رجال المال والأعمال كانوا دائمًا في صدارة مشهد الإعلام الخاص، بينما يبقى الإعلاميون واجهة تخدم مصالح صاحب المال وظهيره السياسي. ولكن مياه كثيرة جرت تحت الجسر منذ كانون الثاني/يناير 2011، ودخلت أسماء جديدة لرجال أعمال لا تتوفر عنهم معلومات كافية سوى ما تكشفه الأيام اللاحقة لصفقة إعلامية، يبرمها أحدهم لتظهر الانحيازات السياسية وأجندة المصالح المتشابكة والمشبوهة في أغلب الأحيان.

اقرأ/ي أيضًا: أبو نضاره.. حكاية الساخر المصري الذي ألهم ثورة

ومثل أغلب الأمور التي تجري الآن على أرض مصر؛ فإن البداية تعود إلى الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011، مع ظهور حفنة من القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية التي لعبت دورًا أساسيًا في الأحداث وما آلت إليه الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد.

 ظهرت قناة "أون تي في" بعد شقيقتها الراحلة "أوه تي في" لصاحبها رجل الأعمال نجيب ساويرس، كذلك قنوات "النهار" لرجل الأعمال عمرو الكحكي، و"CBC" لرجل الأعمال محمد الأمين، و"صدى البلد" لرجل الأعمال محمد أبو العينين، وأصبحت "القاهرة والناس" لرجل الأعمال والإعلان طارق نور، تبث طوال العام بدلًا من شهر رمضان فقط. 

أضيفت تلك القنوات الفضائية إلى مجموعة قنوات أخرى كانت قد سبقتها إلى الظهور مثل "دريم" لرجل الأعمال أحمد بهجت، و"المحور" لرجل الأعمال حسن راتب، و"الحياة" لرجل الأعمال ورئيس حزب الوفد السيد البدوي. ترافق ذلك مع دخول رجال الإعلان بثقلهم إلى المشهد الإعلامي، وصار كل طرف يبحث عن مصالحه وموقعه المميز في وقت كانت مصر تعيد رسم ملامحها ولم ترسو بعد على برٍّ. وصار التنافس والصراع على أشده فيما بين هذه القنوات لكسب أكبر حصة ممكنة من كعكة الإعلانات ومن قبلها الجمهور، الذي انصرف عن متابعة التليفزيون الرسمي ذي العقلية البيروقراطية القديمة والهيكلة المترهلة. 

أحمد أبو هشيمة هو أحد الوجوه الجديدة والغامضة التي صعد نجمها بقوة مع وصول عبد الفتاح السيسي

ظهرت ملامح هذا التنافس المستعر في تقديم البرامج الضخمة والعرض الحصري لمسلسلات نجوم الدراما، بالإضافة إلى محاولة اقتناص البث الحصري لمباريات الدور المصري لكرة القدم، الأمر الذي أدى إلى مبالغة في الإنفاق متبوعة بخسائر وديون متراكمة لشركات إنتاج البرامج والمسلسلات، وترافق ذلك مع تراجع حاد في سوق الدعاية والإعلان الذي تسيطر عليه شركات لا تتعد أصابع اليد الواحدة. تقلّصت الدقائق الإعلانية وبالتالي انخفض دخل القنوات وتم التضحية بعدد كبير من صغار العاملين بها، ولم يكن من طريق للصمود في وجه الركود الإعلاني سوى الاعتماد على التمويل والشراكات الخارجية (الخليجية والإماراتية تحديدًا) ولكن هذه التكتيك لم يصمد هو الآخر مع حلول عام 2016.

الاسم الأبرز حاليًا في سوق الإعلام الخاص هو رجل الأعمال الشاب أحمد أبو هشيمة، الذي اشترى منذ أيام كامل أسهم قناة "أون تي في" من مالكها رجل الأعمال نجيب ساويرس. كانت الصفقة مفاجئة للكثيرين وذهب البعض إلى احتمال دخول أسباب سياسية وراء قبول رجل الأعمال الأغنى في مصر بيع قناته، التي لا يبدو أنها تمر بأزمات اقتصادية مثل باقي القنوات المصرية الخاصة. 

أحمد أبو هشيمة هو أحد الوجوه الجديدة والغامضة التي صعد نجمها بقوة مع وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، فبعد شرائه الحصة الأكبر من جريدة "اليوم السابع" الموالية للنظام، تأتي صفقة "أون تي في" لترسم علامات استفهام كبيرة حول المغزي والهدف من ورائها، وإعلان نجيب ساويرس رسميًا رئاسته لمجلس إدارة وكالة "برومو ميديا"، وتخليها عن دورها الإعلاني على قناتي "أون تي في" و"الحياة" لصالح الاتجاه إلى إنتاج البرامج والمسلسلات. 

بعد هذا الخروج لبرومو ميديا، حلّت مكانها وكالة "سنيرجي وايت" وكيلًا إعلانيًا للقناة، وجدير بالذكر أن هذه الوكالة هي نتاج تحالف بين شركة "سنيرجي" للدعاية والإعلان وشركة "بلاك أند وايت"، التي يملكها رجل الأعمال ياسر سليم. 

يحاول أنصار السيسي وداعميه احتكار المجال الإعلامي من أجل إحكام السيطرة على عقول المشاهدين وتوجيهها

ياسر سليم هو اسم غامض آخر من أسماء حقبة السيسي، فلم يتعد ظهوره على الساحة الإعلامية سوى عام واحد فقط تمكّن خلالها من افتتاح سلسلة مطاعم فخمة، وظهر معه خلالها عدد من نجوم المجتمع الفني والإعلامي والسياسي بما يشي بعلاقات وثيقة مع أغلبهم، أتبعها بتدشين شركة "بلاك أند وايت"، ثم في نهاية العام الماضي أنتج برنامجًا لصالح التلفزيون الرسمي بعنوان "أنا مصر" لتجميل صورة نظام السيسي. 

اقرأ/ي أيضًا: 5 إعلانات رمضانية تتصدر الجدل في "السوشيال ميديا"

ومع بداية عام 2016 قامت شركته بشراء كامل أسهم موقع "دوت مصر" الذي يعتقد أنه مملوك لرئيس الوزارء السابق أحمد شفيق (بتمويل إماراتي)، ومع بدء التحضيرات للانتخابات البرلمانية الأخيرة ظهر اسم ياسر سليم كمنسق عام لقائمة "في حب مصر" التي فازت بالنصيب الأكبر من مقاعد مجلس النواب الحالي.

حتى اللحظة، لا تبشّر تلك المؤشرات وغيرها بأي خير قادم في مسار الإعلام المصري، الذي يحاول أنصار السيسي وداعموه من الأجهزة السيادية احتكار المجال الفضائي من أجل إحكام السيطرة على عقول المشاهدين وتوجيهها.

اقرأ/ي أيضًا:

بن علي يحاور ساسة تونس على الهواء في رمضان!

انطباعات أولية حول مسلسلات رمضان المصرية