21-أغسطس-2016

امرأتان إيرانيتان بكامل ملابسها، يتمتعن باللعب في الماء على شواطئ بحر قزوين في شمال ايران Photo by Kaveh Kazemi/Getty Images

مرة جديدة ينشغل الإعلام الفرنسي بقضية ساخنة كصيف هذا العام، ألا وهي قرارات بعض البلديات الساحلية بمنع ارتداء البوركيني على شواطئها. سخونة القضية أثارت سخرية الإعلام الغربي، فقد عنونت النيويورك تايمز ما يلي "آخر التهديدات الأمنية في المدن الفرنسية: البوركيني"، أما جريدة الانديبندنت البريطانية فقد نشرت مقالًا بعنوان "خمسة أسباب وجيهة لارتداء البوركيني.. عدا إغاظة الفرنسيين"، بالإضافة إلى التلميح الساخر للتواطؤ المباشر لمحلات ماركس اند سبنسر التجارية مع داعش كونها تسوق اللباس الممنوع.

وإذا كانت ردة فعل الإعلام الغربي الساخرة مرحة نوعًا ما، إلا أن الموضوع يتسم بالجدية والخطورة أكثر إذا ما تمت مقاربته من زاوية العرب والمسلمين في فرنسا الذين على ما يبدو سيكونون المادة الانتخابية الأسهل تناولًا والأكثر مردودًا حتى موعد الانتخابات الرئاسية في أيار/ مايو 2017.

إذا كانت ردة فعل الإعلام الغربي الساخرة مرحة نوعًا ما، إلا أن الموضوع يتسم بالجدية والخطورة أكثر إذا ما تمت مقاربته من زاوية العرب والمسلمين في فرنسا

القصة بدأت عندما شن مسؤولون في حزب الجبهة الوطنية هجومًا حادًا ضد نشاط ترفيهي تنظمه جمعية "smile 13" في أحد المسابح الخاصة للنساء والأطفال دون سن العاشرة، وقد قامت الجمعية بالإشارة إلى السماح استثنائيًا بارتداء البوركيني. هجوم الجبهة الوطنية العنصري كان كفيلًا بأن تتلقى الجمعية تهديدات بالقتل لتقرر إلغاء النشاط نهائيًّا. أما تتمة الحكاية فمعروفة لجهة توالي قرارات البلديات القاضية بمنع اللباس والصخب الإعلامي الذي رافق الموضوع.

اقرأ/ي أيضًا: أليست الحرية هي من ضربت نيس وليس الإرهاب؟

اللافت خلال هذه الأزمة ليس الخطاب العنصري لحزب الجبهة الوطنية لكونهم لا يجيدون غيره، بل التوافق التام بين جميع أقطاب الطبقة السياسية الفرنسية الرئيسية على اللجوء إلى ذات المخزون الاستشراقي البائس للتعامل مع الأزمة. فقد رأى وزير الحكومة الفرنسية في البوركيني "ترجمة لمشروع سياسي، مضاد للمجتمع، ومبني على استعباد المرأة"، فيما لم تسعف ضحالة وزيرة العائلة وحقوق المرأة في التعليق على الموضوع عدا لا عصرية أو بدائية لباس البوركيني. هذه التعليقات كما الكثير غيرها رمت بالمشهد كله إلى زمن مختلف، زمن نابليون الزاحف على مصر كي يشرح للمصريين ما لا يعرفونه عن أنفسهم، زمن يفترض أنه انقضى بانقضاء الحرب العالمية الثانية. فما الذي يدفع طبقة سياسة بأكملها للقفز إلى الوراء، ولم النظر بعدسة الاستشراق إلى شريحة واسعة من المجتمع؟

على صعيد آخر أسدى الوزير السابق جان بيار شيفنمنت نصيحة للمسلمين في فرنسا بأن يمارسوا شعائرهم بتحفظ، لكن ما يجهله الوزير العتيد ورئيس لجنة مأسسة الإسلام في فرنسا أن التحفظ له باب في الفقه الإسلامي وهو باب التقية التي عادةً ما رافقت مشاريع انقلابية ودموية منذ أيام العباسيين حتى انقلاب الخميني على قوى الثورة الإيرانية، فهل يدري ما يقول!

إذا كان من غير المجدي الخوض في لا قانونية إجراءات المنع بمجرد أن اللباس الذي يغطي الجسد والرأس غير ممنوع قانونًا على الأرض، في ساحات فرنسا وشوراعها فكيف يمنع في مائها!؟ فالأجدى هنا هو إعادة النقاش في الموضوع إلى جوهره، والموضوع لم يكن يومًا الا أزمة هوية، بين هوية فرنسية تقليدية أكملت تشكلها مع انتهاء الحقبة الكولونيالية، وعناصر هوياتية دخلت لاحقًا إلى المجتمع الفرنسي مع المهاجرين وقد تجلت هذه الأزمة في محطات عديدة لكنها عادةً ما تتمحور حول لباس المسلمين (حجاب، برقع، بوركيني)، هندسة مساجدهم، أو حتى طعامهم (أزمة الهمبرغر الحلال).

تستطيع فرنسا الاستمرار بنهج المنع المتبع منذ عام 1989 عندما فصلت ثلاث فتيات محجبات من المدرسة لأنهن رفضن خلع الحجاب، لكنها لن تستطيع أن تمنع التغيير القادم. اليوم لا تذهب الفتيات المحجبات إلى المدارس لكنهن يتابعن تحصيلهم المدرسي من المنازل وبذلك تخسر فرنسا فرصة احتضان الفروقات الثقافية والدينية وتعزيز التربية المدنية، وبالتالي تفوت عليها فرصة بناء مجتمع يحترم التنوع ولا يضطهد الاختلاف، مجتمع لا يخشى أن ينظر إلى نفسه في المرآة كما هي الحال اليوم.

اقرأ/ي أيضًا:

فرنسا خائفة.. من "البوركيني"!

عنا، نحن المساكين