03-أبريل-2016

الجيش التونسي في بنقردان

بعد استراحة قصيرة في المنابر الإعلامية وفي الشارع التونسي، يعود الحديث من جديد حول المشكلة الأبرز التي تدمر النسيج الاجتماعي التونسي، وتعيق الاستثمار والتنمية، وتؤثر سلبًا على استكمال التحول الديمقراطي في البلاد؛ وهي ظاهرة الإرهاب. 

ما كانت داعش لتؤطر ذلك الشباب التونسي وتغسل دماغه لولا الضعف الفكري الذي يعيشه

تلوك وسائل الإعلام التحليلات القديمة ذاتها، وترسل أشباه المحللين الذين فشلوا في تحليل هذه الظاهرة، وتحاول إيجاد حلول لها نظرًا لطغيان خلفياتهم الإيديولوجية والفكرية على خطابهم.
 
اقرأ/ي أيضًا: دقائق الصمت المهدورة

شهدت تونس محاولة إرهابية جديدة بجنوب البلاد لتركيز إمارة ذات غطاء إسلامي عبر الممارسات الإجرامية. الإمارة التي حاول الإرهابيون إنشاءها في بنقردان، سرعان ما أدت إلى انكسارهم أمام وحدات الجيش والأمن التونسي، ومقتل أغلبهم وأسر الباقين بسبب ضعف تكوينهم وبلاهة الخطة التي دبروها.

انبرى أشباه المحللين سالفي الذكر إلى تصفية حساباتهم الإيديولوجية مع بعض الأطراف السياسية، فيما اصطف الباقون بين المعسكرات الإقليمية، ليتمّ في مرحلة لاحقة نقل الأزمة الليبية وانعكاس صورة الانقسام السياسي الليبي في تونس. لتجد البعض، عن علم أو جهل، يضع كلّ الفصائل الإسلامية الليبية في سلة واحدة، ويرمي عليها تهمة الدعشنة، بينما يردّ المعسكر المقابل بالمؤامرة والفعل المخابراتي على جريمة بنقردان.
 
تناسى الطرفان المتصارعان في تونس أنّه مهما كانت الأطراف وراء هذه الجماعات، ومهما كان المعسكر الإقليمي أو القوة الصانعة له، فإنها ما كانت لتؤطر ذلك الشباب وتغسل دماغه لولا الضعف الفكري والهوان الثقافي الذي جعل منه مشروعًا سهلًا للدمغجة، وما كانت لتشتري ذمة البعض الآخر وتحوله إلى مرتزقة لديها مثل أشباه المحللين سالفي الذكر لولا الحالة الاقتصادية المنهارة، التي جعلت من التونسيين شيبًا وشبابًا، سياسيين وإرهابيين وإعلاميين يعملون لدى هذا الطرف الإقليمي أو الدولي أو ذاك، فقد أصبح الإرهاب في تونس مورد رزق سواء للمحللين السياسيين الذين عادوا إلى الظهور الإعلامي بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة، بعد غياب طويل عن المشهد السياسي، وفرصة عمل لبعض الشباب الذين يئسوا من البطالة ومن حالة البلد ليتم استدراجهم نحو العمل الإجرامي بغطاء ديني.

اقرأ/ي أيضًا: أنا الدمية السوداء

إنّ الفعل الديمقراطي يحتاج إلى مناخ سياسي واقتصادي متوازن، فهما القادران فقط على إيجاد طبقة سياسية وطنية وقادة ديمقراطيين يقبلون الاختلاف على قاعدة الوحدة ويصنعون مشروعًا وطنيًا، بروافده الفنية والثقافية والسياسية والاقتصادية، تلتف حوله كل شرائح الشعب، ويمثل حصنًا للبلاد من كلّ آفة كالإرهاب والمخدرات والدعارة والتهريب والجريمة المنظمة.

الطبقة السياسية التونسية فشلت إلى اليوم في صناعة مشروع وطني ديمقراطي

ولكن الحال في تونس أن الطبقة السياسية فشلت إلى اليوم في صناعة هذا المشروع، خاصة بما ورثته من تركة النظام السابق الذي خلف برنامجًا تعليميًا كارثيًا، ساهم في تسطيح الوعي وتمييعه، واقتصاد منهار تتحكم فيه بعض المافيات العائلية حتى بعد الثورة التونسية، وظهور طبقة جديدة من الفاعلين في المشهد الإعلامي والسياسي أصحاب رؤوس الأموال، الذين انتدبوا النخب يمينًا ويسارًا لتمرير مشاريعهم والضغط بهم على الحكومة أو لتصفية حساباتهم مع خصومهم في السياسة والمال أيضًا.

أصبح العنف ظاهرة مستفحلة في تونس، بدأت بالقمع البوليسي للمحتجين والعنف اللفظي في المدارس والأسرة والشارع، ليصل إلى خطاب الطبقة السياسية، ومن الغريب في مرحلة متقدمة من الانتقال الديمقراطي أن لا يختلف خطابها الإقصائي عن أولئك الدواعش الذي مروا فقط إلى المرحلة الثانية من الإقصاء إلى القتل على الهوية، مما جعل عموم الشعب منفضًا من حولهم، وهو ما يهدد بانهيار المسار الديمقراطي وتجربة الجمهورية الثانية.

ترى بعد نجاح بنقردان هل تستطيع الطبقة السياسية الصمود أمام العواصف القادمة؟ 

اقرأ/ي أيضًا:

عن صورة دارفور الباهتة

يسقط السيستم