11-سبتمبر-2015

هارب سوري من نظام الأسد (كريستوفر فورلونغ/Getty)

يحيلنا ريبورتاج الاخبارية السورية إلى لغة البعث الحالمة، وإن كانت الأحلام لا تليق بالطغاة. يستنطق الفيديو الذي لا يتعدى الدقيقتين جفالة اللغة المدعية والبائدة لدى "شبيحة" الاعلام ومشتغليه. وهو ما تكرسه على الدوام المحطة الرسمية الشاهدة على "تجميل" الطاغية وجرائمه، وتحورها إلى كتل اتهام نحو الناس أنفسهم، اولاد سوريا و"مغايري الجنس الأسدي"، اي المعترفين بآلته الوحشية والمتضررين منها.

 يتهم هؤلاء جميعًا، المأسورين في حدود "الوطن الخالد" واللاجئين في قوارب موته وخيم الذل بتهمة مباشرة: الإرهاب. وهي "الكلمة المفتاح" في خطاب النظام وهواء قنواته. فالإرهاب تسيرّه "الاخبارية" الرسمية في فضاءات متنقلة. وبالتأكيد ليس آخر انجازاتها هذا التقرير، لكنه الأكثر فجاجة في التعبير عن تماديها الاستخدام الرومانسي المبالغ، والمشوه، والذي يتعاطى بـ"تشويش" عال مع الحقائق ورأي الناس.

والحال أن القناة تكفلت بشراء "تيكت" طيارة إلى السويد لمراسلتها، التي بدت كأنها في رحلة داخل سوق تجاري، أكثر من كونها مراسلة ميدانية، تستقصي مادتها الاعلامية وتوثقها (وهي حال بعيدة عن كل تجارب القناة ومرادفاتها). فالتقرير ليس استقصاء حالات ولا تتبع مادة، حول لاجئي سوريا في السويد، كما يوحي عنوانه "الاسبرطي"، الذي يقول شريطه الاخباري أنه تأييد للجيش وحنين للوطن. بل هو أشبه برسالة معادية للسوريين أنفسهم.

ففي سطحية العرض وممارسته تقول المراسلة، بشكل آلي ومسير، إن هؤلاء يحبون الجيش السوري، الذي قتلهم واعتقل اولادهم وهجرهم من بيوتهم الآمنة، وأسقط أبنيتهم وأباد اقاربهم وأبناء جلدتهم، في مجازر دامغة ويومية، بل على مدار الساعة. وهؤلاء لم يقولونها جهرًا ولا في سياق جملهم المستقطعة في "مونتاج" هواة، وتصوير أقل ما يقال عنه انه التقط في عدسة "جوال" من ماركة رخيصة. بل تم تكريس هذا التبجيل للبوط العسكري وانجازاته الدموية في جملة صريحة في متن التقرير.

تم تكريس التبجيل للبوط العسكري وانجازاته الدموية في جملة صريحة في متن التقرير

 وفي رومانسية مشابهة للموسيقى المرافقة له، مع مشهد فوق نهر، تقول جودي يعقوب إن "الجيش السوري هو أملنا". ثم نتحول مباشرة إلى سيدة طاعنة بالسن تجلس وراء مكتب في شقة ميسورة، وهي تعبر عن حبها للجيش السوري، وأمامها علم صغير لسوريا الاسد، و تقول بطريقة متصوفة - بعثية: "حبيبي الجيس السوري". وربما لدقة التقرير (عبثيته؟) وعدم انجراره، خافت السيدة التي صففت شعرها جيدًا، وثبتته وارتدت "تايور" لائق بالمقابلة، من أن تنجر في حالتها الصوفية تلك وتقول: "مدد يا جيشنا الخالد مدد". واكتفت بجمل مستقطعة ساعدها المونتاج وتوليفة الشريط على استنطاقها. لتستكمل سلسلة الحب. وتصل إلى التعبير عن حب شهداء الجيش. وللدلالة إلى "شهداء" الطرف الواحد، من عناصر الجيش نفسه. أي أن من قتل في غزوات البراميل المتفجرة والإبادات اليومية بالقذائف ومع ترسانة ايران و"حزب الله" المساندة، لا تنطبق عليه هذه الصفة "الطوباوية". فهؤلاء إرهابيو الصف الأول. القتلى الذين نراهم أشلاء أو جامدين من وهلة الموت نفسها. هؤلاء من تكرر يعقوب وصفهم بالإرهابيين الذين هجروا السوريين من وطنهم "الآمن - المسالم - الجميل".

 هؤلاء بالتأكيد ليسوا شهداء بالنسبة للسيدة التي بدت أنها "حالة" التقرير المكرسة ولغته. وبالمعنى الآخر كل من تم مقابلته، وهم 4 حالات فقط، كانوا يجيبون برومانسية من يشتاق إلى بلده. الاشتياق العادي، الذي وظف في التقرير بآلية مغايرة. ووضع في غير مكانه. وربما لأنه لا يتناسب، بدا انه تركيب "بازل" غير متناسقة. فحنين هؤلاء (كما يعنون التقرير)، هو حنين طبيعي يمارسه ويعبر عنه أي سوري. أما اقحامه في لغة الاعلام البعثي، فهو استطراد لا تأويل فيه، سوى أنه تحوير ممنهج، لكنه غير ذكي. أو بالأحرى هو مغالاة في الغباء الاعلامي المستمر منذ انشاء المؤسسة الاعلامية الرسمية السورية وتاريخها وأرشيفها المبجل والتقديسي للحزب وقائده ونظامه ودائرة منتفعيه.