21-ديسمبر-2016

صورة من مؤتمر وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران في موسكو 20 كانون الأول/ديسمبر (فاتح أكتاس/لأناضول)

يبدو أن عملية اغتيال السفير الروسي في أنقرة، أندريه كارلوف، لم تؤثر سلبيًا على الاجتماع الثلاثي، بين وزراء خارجية تركيا، إيران، وروسيا، لبحث اتفاق وقف لإطلاق النار في سوريا، وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية المستعصية على الدول الغربية، منذ نحو خمسة أعوام.

بعد اغتيال سفيرها في أنقرة، تشعر روسيا بالارتدادات السلبية لتدخلها عسكريًا في سوريا، وهو ما ظهر من تذمرها من هزيمة الأسد في تدمر

توارد الأخبار المؤكدة لوفاة السفير الروسي، أعقبها عديد التصريحات لكبار المسؤولين في البلدين، أن الاغتيال الذي وصفته روسيا بـ"عملية إرهابية"، لن يؤثر على العلاقات بينهما، بعد توصلهما لاتفاق إجلاء المدنيين وقوات المعارضة من الشطر الشرقي في حلب.

اقرأ/ي أيضًا: وحدة المعارضة..وبدعة تسريبات الشرق الأوسط

وهو ما بدا واضحًا في تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عندما قال إن "هذا العمل يستهدف ضرب مرحلة تطبيع العلاقات بين تركيا وروسيا"، فيما اعتبر نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، أنها "استفزاز يستهدف إفساد تطبيع العلاقات الروسية التركية، وإفساد عملية السلام السورية".

وكانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، شهدت أزمة حادة، بعد إسقاط مقاتلة روسية، من قبل سلاح الجو التركي في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2015، وبقيت حتى تموز/يوليو الفائت على تلك الحال، ثم كان وقوف روسيا إلى جانب الحكومة التركية، عندما حصلت محاولة الانقلاب الفاشلة، في منتصف الشهر عينه، حيث وصل الطرفان إلى قناعة أنهما لن يتوصلا لاتفاق بشأن سوريا، ما لم تعد العلاقات الدبلوماسية لطبيعتها السابقة، وهو ما ألحق بعدة تدابير أدت لتجاوز الأزمة بينهما.

وأظهر الاجتماع الثلاثي الذي استضافته موسكو، أمس الثلاثاء، اتفاق الأطراف الثلاثة على معظم التفاصيل المتعلقة بسير المفاوضات بين المعارضة والنظام، بمعزل عن بقية الأطراف الدولية الفاعلة بالشأن السوري، التي لم تستطع التوصل لحل نهائي، لكن على ما يبدو أن هناك بعض النقاط التي تحتاج للمزيد من التفاهمات، يمكن وصفها بأنها ستكون صعبة العوائق.

ويأتي في مقدمتها إصرار موسكو، على أن مصير بشار الأسد لا تتضمنه بنود الاتفاق، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، فيما ترفض تركيا محاورة نظام الأسد، كذلك تبرز مشكلة تصنيف فصائل المعارضة، يذكر أن "إعلان موسكو"، نص على "عزم الدول الثلاث على جمع جهودها في مكافحة تنظيمي (داعش، وجبهة النصرة) والعمل على فصل مجموعات المعارضة المسلحة عنهما"، إلا أن هناك فصائل محددة، تسعى موسكو لإدراجها ضمن تصنيف "المنظمات الإرهابية"، رغم معارضة جميع الأطراف الدولية الفاعلة في سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: بعد ملحمة تاريخية.."الثورة السورية" تودع حلب

وبجوار حادثة اغتيال سفيرها في أنقرة، يمكن القول إن روسيا، بدأت تشعر بالارتدادات السلبية من تدخلها عسكريًا في سوريا، وشعورها بعدم وجود أمد قريب لحسم الحرب عسكريًا، وهو ما أظهرته تصريحات مسؤولين عن هشاشة قوات الأسد في "تدمر"، وما أدى لاستعادة التنظيم لها، ومحاصرته لمطار الـ"التيفور" العسكري شرق مدينة "حمص"، حيثُ أشارت صحيفة "فزغلياد" الروسية، إلى ذلك بقولها: "من الناحية المبدئية أن القيادة العليا هي الحلقة الأضعف في القوات الحكومية"، منوهة إلى أن "الحرب لتحرير إدلب تتطلب مجهودًا آخر" يختلف تمامًا عن مجهود عملية استعادة السيطرة على الشطر الشرقي في حلب، بعد حصار دام أكثر من خمسة أشهر، استخدم فيها النظام جميع أنواع الأسلحة.

في ظل غياب واضح للولايات المتحدة في سوريا، يأتي الاجتماع الثلاثي لروسيا وتركيا وإيران، ليؤكد خروج الأولى من أي عملية تفاوضية

وفي موازاة ذلك، ترى تركيا في روسيا ضمانًا لتجنب أي اشتباك مع قوات النظام والميليشيات الأجنبية، بعد إطلاقها عملية "درع الفرات" في الشمال السوري، ودعمها لوجستيًا وعسكريًا لفصائل "الجيش السوري الحر" في معاركهم ضد ما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية"، إلا أن النظام السوري إلى جانب "قسد" تعيقان سير المعارك كما كان مخططًا لها.

فإذا كانت تركيا تدخلت لحماية حدودها من "تنظيم الدولة"، و"قسد" التي تقودها القوات الكردية الهادفة لإنشاء "حكم ذاتي" في الشمال السوري، وهي الذراع السوري لحزب "العمال الكردستاني" المدرج على قائمة "المنظمات الإرهابية" في عدد من الدول بينها تركيا، وكان تدخل روسيا لاستعادة مكانتها في الشرق الأوسط، فإن إيران جاءت لتؤثر طائفيًا، في حرب لا ناقة ولا جمل فيها للجيل الحالي، ولذلك تظهر روسيا وكأنها ضمان حقيقي لعدم استهداف القوات التركية، من قبل قوات النظام والميليشيات الأخرى.

وعكست تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، جون كيربي، أمس الثلاثاء، عدم ارتياح بلاده التي تقود التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة لـ"إعلان موسكو"، إذ شدد على أن الحديث عن أي تقييم للاجتماع "سابق لأوانه"، بالإضافة إلى الاتصال الهاتفي بين وزيري الخارجية جون كيري، وسيرغي لافروف، وتنويه الأخير إلى أنهم وضعوا خططًا لاتفاق بين النظام السوري والمعارضة، في "أستانا" عاصمة كازاخستان، ما يعني أن الاجتماع سيتم دون وجود أمريكي.

وفي ظل غياب واضح للولايات المتحدة في سوريا، يأتي الاجتماع الثلاثي على مستوى وزراء الخارجية، ليؤكد خروج الأولى من أي عملية تفاوضية مستقبلية، لأن روسيا تعرف أن الطرف التركي، يمكنه أن يضمن عدة فصائل من المعارضة، من بينها المقاتلة إلى جانبه في "درع الفرات"، وتركيا تعرف تمامًا أن الطرف الروسي يضمن تنفيذ النظام لبنود الاتفاق، وهو ما كانت تفتقد إليه الولايات المتحدة في جميع المفاوضات التي خاضتها للوصول إلى تنفيذ وقف تام لإطلاق النار، وتفعيل مفاوضات جنيف، رافقها عدم تلاعب روسي، أدى لفقدان الثقة بأي دور فاعل للولايات المتحدة في سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: 

من أجل حلب..عودة الاحتجاجات السورية في أوروبا

حلب وتدمر..حسابات داعش ومعسكر الأسد